اصطلاح أرباب المذهب يطلق عَلَى القصد والكلام النفساني، فيقولون: صريح الطلاق لا يحتاج إلى النية إجماعاً (?)، وفِي احتياجه إلى النية قَوْلانِ، وهو تناقض ظاهر؛ لكنهم يريدون بالأول قصد استعمال اللفظ فِي موضوعه، فإن ذلك إنما يحتاج إليه فِي الكناية دون الصريح، ويريدون بالثاني القصد للنطق بصيغة التصريح (?) احترازاً من النائم ومن سبقه لسانه، ويريدون بالثالث الكلام النفساني، وقد بسطت هذه المباحث فِي كتاب: " الأمنية فِي إدراك النية " إِذَا تقرر أن الطلاق ينشأ بالكلام النفساني، فقد صارت هذه المسألة من مسائل الإنشاء بكلام النفس.
وكذلك اليمين أَيْضاً وَقع الخلاف فِيهَا، هل تنعقد بإنشاء كلام النفس وَحده، أو لابد من اللفظ؟، وبهذا التقرير يظهر فساد قياس من قاس لزوم الطلاق بكلام النفس عَلَى الكفر والإيمان، فإنهما يكفي فيهما كلام النفس، وقع (?) ذلك فِي " الجلاب " وغيره (?)، ووجه الفساد أن هذا إنشاء والكفر لا يقع بالإنشاء إنما يقع بالإخبار والاعتقاد، وكذلك الإيمان والاعتقاد من باب العلوم والظنون لا من باب الكلام، وهما بابان مختلفان فلا يقاس أحدهما عَلَى الآخر، ومن وَجهٍ آخر وهو أن الصحيح فِي الإيمان أنه لا يكفي فِيهِ مجرد الاعتقاد، بل لابد من النطق باللسان مع الإمكان عَلَى مشهور مذاهب العلماء كما حكاه القاضي عياض فِي " الشفاء " وغيره، فينعكس هذا القياس عَلَى قائسه عَلَى هذا التقدير ويقال: وجب أن يفتقر إلى اللفظ قياساً عَلَى الإيمان بالله تعالى إن سُلّم له أن البابين واحد، فكيف وهما مختلفان، والقياس إنما يجري فِي المتماثلات. انتهى (?).