الذي ألفناه، وكانا في المائة الثالثة، والفاكهي تأخر عن الأزرقي قليلا في غالب الظن، ومن عصرهما إلى تاريخ خمسمائة سنة1 ونحو أربعين سنة وأزيد، ولم يصنف بعدهما في المعنى الذي صنفا فيه أحد، وقد حدث بعدهما في هذه المدة من المعنى الذي ذكرناه عنهما أمور مستكثرة، فلذلك صارت الإحاطة لجمعها متعذرة، وقد بذلنا الجهد في تحصيل ذلك، فظفرنا منه بطرف، وفي النفس على ما لم نظفر به أسف.
وإني لأعجب من إهمال فضلاء مكة بعد الأزرقي للتأليف على منوال تاريخه، ومن تركهم تأليف تاريخ لمكة يحتوي على معرفة أعيانها من أهلها وغيرهم، من ولاتها، وأئمتها، وقضاتها، وخطبائها وعلمائها، ورواتها، كما صنع فضلاء غيرها من البلاد لبلادهم، "كتاريخ بغداد" للخطيب البغدادي2، ومن بعده "تاريخ دمشق" لابن عساكر3 و"تاريخ مصر" للقطب الحلبي، وغير ذلك من تواريخ البلاد.
وقد وفقني الله تعالى لجمع شيء من هذا المعنى حداني، إلى جمعه أني تشوقت كثيرا لمعرفة ذلك، وتتبعت ما ألفه الناس من التواريخ والطبقات والمعاجم4 والمشيخات وغير ذلك من تعاليق العلماء، فظفرت في ذلك ببعض المطلوب، ثم رتبته على ما أدركته من الأمور المناسبة له على ترتيب حروف المعجم خلا المحمدين والأحمدين، فإنهم مقدمون على غيرهم، لكون ذلك من أسماء نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم مذكور في أول التراجم مع شيء من سيرته الشريفة على وجه الاختصار للتبرك بذلك.
وجعلت في أول هذا الكتاب مقدمة لطيفة تحتوي على مقاصد هذا التأليف، لخصتها منه ليكون التأليف -الذي هذه المقدمة أوله- جامعا لشيء من أخبار مكة وما فيها، وشيء من أخبار أهلها ومن أشرنا إليهم معهم، هذا التأليف "العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين"، ثم إني استطلته بعد تسويدي لأكثره، وترتيب ما بقي منه بذهني، فاختصرته في مقدار نصف الحجم، وسميت هذا المختصر "عجالة القرى للراغب في تاريخ أم القرى".