أبوابا عديدة ويجعل بينها وبين وجه الأرض حاجزا رقيقا فإذا أحس بالشر فتح بعضها بأيسر شيء وخرج منه ولما كان كثير النسيان لم يحفر بيته إلا عند أكمة أو صخرة علامة له على البيت إذا ضل عنه ومن علم الفهد إذا سمن أن يتوارى لثقل الحركة عليه حتى يذهب ذلك السمن ثم يظهر ومن علم الأيل إذا سقط قرنه أن يتوارى لأن سلاحه قد ذهب فيسمن لذلك فإذا كمل نبات قرنه تعرض للشمس والريح وأكثر من الحركة ليشتد لحمه ويزول السمن المانع له من العدو وهذا باب واسع جدا ويكفي فيه قوله سبحانه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها" وهذا يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون إخبارا عن أمر غير ممكن فعله وهو أن الكلاب أمة لا يمكن إفناؤها لكثرتها في الأرض فلو أمكن إعدامها من الأرض لأمرت بقتلها والثاني: أن يكون مثل قوله: "أمن أجل أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح" فهي أمة مخلوقة بحكمة ومصلحة فإعدامها وإفناؤها يناقض ما خلقت لأجله والله أعلم بما أراد رسوله قال ابن عباس في رواية عطاء: ": {إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} يريد يعرفونني ويوحدونني ويسبحونني ويحمدونني" مثل قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِه} ومثل قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} ويدل على هذا قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابّ} وقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ} ويدل عليه قوله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} ويدل عليه قوله: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل} وقوله: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ} وقول سليمان: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} وقال مجاهد: "أمم أمثالكم أصناف مصنفة تعرف بأسمائها" وقال الزجاج: "أمم أمثالكم في أنها تبعث" وقال ابن قتيبة: "أمم أمثالكم في طلب الغذاء وابتغاء الرزق وتوقي المهالك" وقال سفيان بن عيينة: "ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من البهائم" فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد ومنهم من يعدو عدو الذئب ومنهم من ينبح نباح الكلب ومنهم من يتطوس كفعل الطاووس ومنهم من يشبه الخنازير التي لو ألقي إليها الطعام عافته فإذا قام الرجل عن رجيعه ولغت فيه فلذلك تجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمه لم يحفظ واحدة منها وإن أخطأ رجل ترواه وحفظه قال الخطابي: "ما أحسن ما تأول سفيان هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة" وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعا لظاهره وجب المصير إلى باطنه وقد أخبر الله عن وجود المماثلة بين الإنسان وبين كل طائر ودابة وذلك ممتنع من جهة الخلقة والصورة وعدم من جهة النطق والمعرفة فوجب أن يكون منصرفا إلى المماثلة في الطباع والأخلاق وإذا كان الأمر كذلك فاعلم أنك إنما تعاشر البهائم والسباع فليكن حذرك منهم ومباعدتك إياهم على حسب ذلك انتهى كلامه والله سبحانه قد جعل بعض الدواب كسوبا محتالا وبعضها متوكلا غير محتال وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنته وبعضها يتكل على الثقة بأن له في كل يوم قدر كفايته رزقا مضمونا وأمرا مقطوعا وبعضها يدخر وبعضها لا تكسب له وبعض الذكورة يعول ولده وبعضها لا يعرف ولده البتة وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه وبعضها تضع ولدها وتكفل ولد غيرها وبعضها لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها وبعضها لا تزال تعرفه وتعطف عليه