ويرفع صدره ثم يعتريه ضرب من الوله والأنثى في ذلك مرسلة جناحها وكتفها على الأرض فإذا قضى حاجته منها ركبته الأنثى وليس ذلك في شيء من الحيوان سواه وإذا علم الذكر أنه أودع رحم الأنثى ما يكون منه الولد يقدم هو والأنثى بطلب القصب والحشيش وصغار العيدان فيعملان منه أفحوصة وينسجانها نسجا متداخلا في الوضع الذي يكون بقدر حيمان الحمامة ويجعلان حروفها شاخصة مرتفعة لئلا يتدحرج عنها البيض ويكون حصنا للحاضن ثم يتعاودان ذلك المكان ويتعاقبان الأفحوص يسخنانه ويطيبانه وينفيان طباعه الأول ويحدثان فيه طبعا آخر مشتقا ومستخرجا من طباع أبدانهما ورائحتهما لكي تقع البيضة إذا وقعت في مكان هو أشبه المواضع بأرحام الحمام ويكون على مقدار من الحر والبرد والرخاوة والصلابة ثم إذا ضربها المخاض بادرت إلى ذلك المكان ووضعت فيه البيض فإن أفزعها رعد قاصف رمت بالبيضة دون ذلك المكان الذي هيأته كالمرأة التي تسقط من الفزع فإذا وضعت البيض في ذلك المكان لم يزالا يتعاقبان الحضن حتى إذا بلغ الحضن مداه وانتهت أيامه انصدع عن الفرخ فأعاناه على خروجه فيبدآن أولا بنفخ الريح في حلقه حتى تتسع حوصلته علما منهما بأن الحوصلة تضيق عن الغذاء فتتسع الحوصلة بعد التحامها وتنفتق بعد ارتقاقها ثم يعلمان أن الحوصلة وإن كانت قد اتسعت شيئا فإنها في أول الأمر لا تحتمل الغذاء فيزقانه بلعابهما المختلط بالغذاء وفيه قوى الطعم ثم يعلمان أن طبع الحوصلة تضعف عن استمرار الغذاء وأنها تحتاج إلى دفع وتقوية لتكون لها بعض المتانة فيلقطان من الغيطان الحب اللين الرخو ويزقانه الفرخ ثم يزقانه بعد ذلك الحب الذي هو أقوى وأشد ولا يزالان يزقانه بالحب والماء على تدريج بحسب قوة الفرخ وهو يطلب ذلك منهما حتى إذا علما أنه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع ليحتاج إلى اللقط ويعتاده وإذا علما أن رئته في قويت ونمت وأنهما إن فطماه فطما تاما قوي على اللقط وتبلغ لنفسه ضرباه إذا سألهما الزق ومنعاه ثم تنزع تلك الرحمة العجيبة منهما وينسيان ذلك التعطف المتمكن حين يعلمان أنه قد أطاق القيام بنفسه والتكسب ثم يبتدآن العمل ابتداء على ذلك النظام والحمام يشاكل الناس في أكثر طباعه ومذاهبه فإن من إناثه أنثى لا تريد إلا زوجها وفيه أخرى لا ترد يد لامس وأخرى لا تنال إلا بعد الطلب الحثيث وأخرى تركب من أول وهلة وأول طلب وأخرى لها ذكر معروف بها وهي تمكن ذكرا آخر منها إذا غاب زوجها لم تمتنع ممن ركبها وأخرى تمكن من يغنيها عن زوجها وهو يراهما ويشاهدهما ولا تبالي بحضوره وأخرى تعمط الذكر وتدعوه إلى نفسها وأنثى تركب أنثى وتساحقها وذكر يركب ذكرا ويعسفه وكل حالة توجد في الناس ذكورهم وإناثهم توجد في الحمام وفيها من لا تبيض وإن باضت أفسدت البيضة كالمرأة التي لا تريد الولد كيلا يشغلها عن شأنها وفي إناث الحمام من إذا عرض لها ذكر أي ذكر كان أسرعت هاربة ولا تواتي غير زوجها البتة بمنزلة المرأة الحرة ومنها ما يأخذ أنثى يتمتع بها تم ينتقل عنها إلى غيرها وكذلك الأنثى توافق ذكرا آخر عن زوجها وتنتقل عنه وإن كانوا جميعا في برج واحد ومنها ما يتصالح على الأنثى منها ذكران أو أكثر فتعايرهم كلهم حتى إذا غلب واحد منهم لرفيقه وقهره مالت إليه وأعرضت عن المغلوب وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: "رأى حمامة تتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانه" ومنها ما يزق فراخه خاصة ومنا ما فيه شفقة ورحمة بالغة يزق فراخه وغيرها ومن عجيب هداها أنها إذا حملت الرسائل سلكت الطرق البعيدة عن القرى ومواضع الناس لئلا يعرض لها من