فإذا خزنتها عمدت إلى ما ينبت منها ففلقته فلقتين لئلا ينبت فإن كان ينبت مع فلقه باثنتين فلقته بأربعة فإذا أصابه بلل وخافت عليه العفن والفساد انتظرت به يوما ذا شمس فخرجت به فنشرته على أبواب بيوتها ثم أعادته إليها ولا تتغذى منها نملة مما جمعه غيرها ويكفي في هداية النمل ما حكاه الله سبحانه في القرآن عن النملة التي سمع سليمان كلامها وخطابها لأصحابها بقولها: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} فاستفتحت خطابها بالنداء الذي يسمعه من خاطبته ثم أتت بالاسم المبهم ثم أتبعته بما يثبته من اسم الجنس إرادة للعموم ثم أمرتهم بأن يدخلوا مساكنهم فيتحصنون من العسكر ثم أخبرت عن سبب هذا الدخول وهو خشية أن يصيبهم معرة الجيش فيحطمهم سليمان وجنوده ثم اعتذرت عن نبي الله وجنوده بأنهم لا يشعرون بذلك وهذا من أعجب الهداية وتأمل كيف عظم الله سبحانه شأن النمل بقوله: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} ثم قال: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ} فأخبر أنهم بأجمعهم مروا على ذلك الوادي ودل على أن ذلك الوادي معروفا بالنمل كوادي السباع ونحوه ثم أخبر بما دل على شدة فطنة هذه النملة ودقة معرفتها حيث أمرتهم أن يدخلوا مساكنهم المختصة بهم فقد عرفت هي والنمل أن لكل طائفة منها مسكنا لا يدخل عليهم فيه سواهم ثم قالت لا يحطمنكم سليمان وجنوده فجمعت بين اسمه وعينه وعرفته بهما وعرفت جنوده وقائدها ثم قالت وهم لا يشعرون فكأنها جمعت بين الاعتذار عن مضرة الجيش بكونهم لا يشعرون وبين لوم أمة النمل حيث لم يأخذوا حذرهم ويدخلوا مساكنهم ولذلك تبسم نبي الله ضاحكا من قولها وأنه لموضع تعجب وتبسم وقد روى الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عيينة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن قتل النمل والنحلة والهدهد والصرد" وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزل بني من الأنبياء تحت شجرة فقرصته نملة فأمر بجهازه فأخرج وأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أمن أجل أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح فهلا نملة واحدة" وذكر هشام بن حسان: "أن أهل الأحنف بن قيس لقوا من النمل شدة فأمر الأحنف بكرسي فوضع عند تنورين فجلس عليه ثم تشهد ثم قال لتنتهن أو ليحرقن عليكن ونفعل ونفعل قال فذهبن" وروى عوف بن أبي جميلة عن قسامة بن زهير قال قال أبو موسى الأشعري: "إن لكل شيء سادة حتى للنمل سادة ومن عجيب هدايتها أنها تعرف ربها بأنه فوق سماواته على عرشه كما رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد من حديث أبي هريرة يرفعه قال: "خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون فأذاهم بنملة رافعة قوائمها إلى السماء تدعو مستلقية على ظهرها فقال ارجعوا فقد كفيتم أو سقيتم بغيركم" ولهذا الأثر عدة طرق ورواه الطحاوي في التهذيب وغيره وقال الإمام أحمد حدثنا قال: "خرج سليمان بن داؤد يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنا عن سقياك ورزقك فأما أن تسقينا وترزقنا وإما أن تهلكنا فقال ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم" ولقد حدثني أن نملة خرجت من بيتها فصادفت شق جرادة فحاولت أن تحمله فلم تطق فذهبت وجاءت معها بأعوان يحملنه معها قال فرفعت ذلك من الأرض فطافت في مكانه فلم تجده فانصرفوا وتركوها قال فوضعته فعادت تحاول حمله فلم تقدر فذهبت وجاءت بهم فرفعته فطافت فلم تجده فانصرفوا قال فعلت ذلك مرارا فلما كان في المرة الأخرى استدار