لم يحق عليهم القول بأعماله الأولى حيث عمل ما يقتضي ثبوت الحق عليه ولكن لم يحكم به أحكم الحاكمين ولم يمض الحكم فإذا عمل بعد ذلك ما يقرر غضب الرب عليه أمضى حكمه عليه وأنفذه قال تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} وقد كانوا قبل ذلك أغضبوه بمعصية رسوله ولكن لم يكن غضبه سبحانه قد استقر واستحكم عليهم إذ كان بصدد أن يزول بإيمانهم فلما أيس من إيمانهم تقرر الغضب واستحكم فحلت العقوبة فهذا الموضع من أسرار القرآن وأسرار التقدير الإلهي وفكر العبد فيه من أنفع الأمور له فإنه لا يدري أي المعاصي هي الموجبة التي يتحتم عندها عقوبته فلا يقال بعدها والله المستعان وسنعقد لهذا الفصل بابا في الفرق بين القضاء الكوني والديني نشبع الكلام فيه إن شاء الله لشدة الحاجة إليه إذ المقصود في هذا الباب مشيئة الرب وأنها الموجبة لكل موجود كما أن عدم مشيئته موجب لعدم وجود الشيء فهما الموجبتان ما شاء الله وجب وجوده وما لم يشأ وجب عدمه وامتناعه وهذا أمر يعم كل مقدور من الأعيان والأفعال والحركات والسكنات فسبحانه أن يكون في مملكته ما لا يشاء أو أن يشاء شيئا فلا يكون وإن كان فيها ما لا يحبه ولا يرضاه وإن كان يحب الشيء فلا يكون لعدم مشيئته له ولو شاءه لوجد.