مولود يولد على الفطرة ما تفسيرها قال: "هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها شقي أو سعيد" وكذلك نقل عنه الفضل بن زياد وجبيل وأبو الحارث أنهم سمعوا أبا عبد الله في هذه المسألة قال: "الفطرة التي فطر الله العباد عليها من الشقاوة والسعادة" وكذلك نقل عنه علي بن سعيد أنه سأل أبا عبد الله عن كل مولود يولد على الفطرة قال: "الشقاوة والسعادة" قال "يرجع إلى ما خلق" وعن الحسن بن بواب قال سألت أبا عبد الله عن أولاد المشركين قلت أن ابن أبي شيبة أبا بكر قال: "هو على الفطرة حتى يهوداه أبواه أو ينصرانه" فلم يعجبه شيء من هذا القول وقال كل مولود من أطفال المشركين على الفطرة يولد على الفطرة التي خلق عليها من الشقاء والسعادة التي سبقت في أم الكتاب أرفع ذلك إلى الأصل هذا معنى كل مولود يولد على الفطرة فمن أصحابه من قال هذا قولا قديما له ثم تركه ومنهم من جعل المسألة على روايتين وأطلق ومنهم من حكى عنه في ثلاث روايات الثالثة الوقف.
فصل: قال شيخنا: "والإجماع والآثار المنقولة عن السلف لا تدل إلا على القول الذي رجحناه وهو أنهم على الفطرة ثم صاروا إلى ما سبق في علم الله فيهم من سعادة وشقاوة لا يدل على أنهم حين الولادة لم يكونوا على فطرة سليمة مقتضية للإيمان ومستلزمة له لولا العارض" وروى ابن عبد البر بإسناده عن موسى بن عبيدة سمعت محمد بن كعب القرظي في قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} قال: "من ابتدأ الله خلقه على الهدى صيره إلى الهدى وأن عمل بعمل أهل الضلالة ومن ابتدأ خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة وإن عمل بعمل أهل الهدى ابتدأ خلق إبليس على الضلالة وعمل بعمل أهل السعادة مع الملائكة ثم رده الله إلى ما ابتدأ خلقه عليه من الضلالة" فقال: "وكان من الكافرين وابتدأ خلق السحرة على الهدى وعملوا بعمل أهل الضلالة ثم هداهم الله إلى الهدى والسعادة وتوفاهم عليها مسلمين" فهذا المنقول عن محمد بن كعب يبين أن الذي ابتدأهم عليه هو ما كتب أنهم صائرون إليه وأنهم قد يعملون قبل ذلك غيره وأن من ابتدئ على الضلالة أي كتب أن يموت ضالا فقد يكون قبل ذلك عاملا بعمل أهل الهدى وحينئذ فمن ولد على الفطرة السليمة المقتضية للهدى لا يمنع أن يعرض لها ما يغيرها فيصير إلى ما سبق به القدر كما في الحديث الصحيح: "أن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار وأن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة" وقال سعيد بن جبير في قوله: "كما بدأ كم تعودون قال كما كتب عليكم تكونون" وقال مجاهد: "كما بدأكم تعودون شقي وسعيد" وقال أيضا: "يبعث المسلم مسلما والكافر كافرا" وقال أبو العالية: "عادوا إلى علمه فيهم فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة" قلت هذا المعنى صحيح في نفسه دل عليه القرآن والسنة والآثار السلفية وإجماع أهل السنة وأما كونه هو المراد بالآية ففيه ما فيه والذي يظهر من الآية أن معناها معنى نظرائها وأمثالها من الآيات التي يحتج الله سبحانه فيها على النشأة الثانية بالأولى وعلى المعاد بالمبدأ فجاء باحتجاج في غاية الاختصار والبيان فقال كما بدأكم تعودون كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} وقوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} الآية وقوله: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} إلى قوله: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} وقوله