الموحدين" وقد تقدم أن هذا التأويل لا يصح وقال عبد بن حميد في تفسيره أخبرنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن قال قال عمر: "لو لبث أهل النار في النار بقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه" وقال أخبرنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال: "لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه" ورواة هذا الأثر أئمة ثقات كلهم والحسن سمعه من بعض التابعين ورواه غير منكر له فدل هذا الحديث أنه كان متداولا بين هؤلاء الأئمة لا ينكرونه وقد كانوا ينكرونه على من خرج عن السنة أدنى شيء ويروون الأحاديث المبطلة لفعله وكان الإمام أحمد يقول أحاديث حماد بن سلمة هي الشجا في حلوق المبدعة فلو كان هذا القول عندهم من البدع المخالفة للسنة والإجماع لسارعوا إلى رده وإنكاره وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} قال: "لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا" قال الطبري: "وروي عن ابن عباس أنه كان يتأول في هذا الاستثناء أن الله جعل أمر هؤلاء في مبلغ عذابه إياهم إلى مشيئته" وهذا التفسير من ابن عباس يبطل قول من تأول الآية على أن معناها سوى ما شاء الله من أنواع العذاب أو قال المعنى إلا مدة مقامهم قبل الدخول من حين بعثوا إلى أن دخلوا أو أنها في أهل القبلة وما يعني من أو أنها يعني الواو أي وما شاء الله وهذه كلها تأويلات باردة ركيكة لا تليق بالآية ومن تأملها جزم ببطلانها وقال السدي في قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} قال سبعمائة حقب كل حقب سبعون سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما كل يوم كألف سنة مما تعدون وتقييد لبثهم فيها بالأحقاب يدل على مدة مقدرة يحصرها العدد هذا قول الأكثرين ولهذا تأول الزجاج الآية على أن الأحقاب تقييد لقوله لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا وأما مدة مكثهم فيها فلا يتقدر بالأحقاب وهذا تأويل فاسد فإنه يقتضي أن يكونوا بعد الأحقاب ذائقين للبرد والشراب وقالت طائفة أخرى الآية منسوخة بقوله: {مَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} وقوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وهذا فاسد أيضا إن أرادوا بالنسخ الرفع فإنه لا يدخل في الخبر إلا إذا كان بمعنى الطلب وإن أرادوا بالنسخ البيان فهو صحيح وهو إنما يدل على أن عذابهم دائم مستمر ما دامت باقية فهم فيها خالدون وما هم بمخرجين وهذا حق معلوم دلالة القرآن والسنة عليه لكن الشأن في أمر آخر وهو أن النار أبدية دائمة بدوام الرب فأين الدليل على هذا من القرآن أو السنة بوجه من الوجوه وقالت طائفة هي في أهل التوحيد وهذا أقبح مما قبله وسياق الآيات يرده ردا صريحا ولما رأى غيرهم بطلان هذه التأويلات قال لا يدل ذكر الأحقاب على النهاية فإنها غير مقدرة بالعدد فإنه لم يقل عشرة ولا مائة ولو قدرت بالعدد لم يدل على النهاية إلا بالمفهوم فكيف إذا لم يقدر قالوا ومعنى الآية أنه كلما مضى حقب تبعه حقب لا إلى نهاية وهذا الذي قالوه لا تدل الآية عليه بوجه وقولهم أن الأحقاب فيها غير مقدرة فيقال لو أريد بالآية بيان عدم انتهاء مدة العذاب لم يقيد بالأحقاب فإن ما لا نهاية له لا يقال هو باق أحقابا ودهورا وأعصارا أو نحو ذلك ولهذا لا يقال ذلك في نعيم أهل الجنة ولا يقال للأبدي الذي لا يزول هو باق أحقابا أو آلافا من السنين فالصحابة أفهم الآية لمعاني القرآن وقد فهم منها عمر بن الخطاب خلاف فهم هؤلاء كما فهم ابن عباس من آية الاستثناء خلاف فهم أولئك وفهم الصحابة في