وأملى له ليزداد هذا إثما على أثم ذلك الذنب فيستوجب العقوبة التي لا تصلح لغيره فيكون رأس أهل الشر في العقوبة كما كان رأسهم في الشر والكفر ولما كان مادة كل شر فعنه ينشأ جوزي في النار مثل فعله فكل عذاب ينزل بأهل النار يبدأ به فيه ثم يسري منه إلى أتباعه عدلا ظاهرا أو حكمة بالغة ومنها أنه قال في مخاصمته لربه أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا وعلم سبحانه أن في الذرية من لا يصلح لمساكنته في داره ولا يصلح إلا لما يصلح له الشوك والروث أبقاه له وقال له بلسان القدر هؤلاء أصحابك وأوليائك فاجلس في انتظارهم وكلما مر بك واحد منهم فشأنك به فلو صلح لي لما ملكتك منه فإني أتولى الصالحين وهم الذي يصلحون لي وأنت ولي المجرمين الذين غنوا عن موالاتي وابتغاء مرضاتي قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} فأما إماتة الأنبياء والمرسلين فلم يكن ذلك لهوانهم عليه ولكن ليصلوا إلى محل كرامته ويستريحوا من نكد الدنيا وتعبها ومقاساة أعدائهم وأتباعهم وليحي الرسل بعدهم يرى رسولا بعد رسول فإماتتهم أصلح لهم وللأمة أما هم فلراحتهم من الدنيا ولحوقهم بالرفيق الأعلى في أكمل لذة وسرور ولا سيما وقد خيرهم ربهم بين البقاء في الدنيا واللحاق به وأما الأمم فيعلم أنهم لم يطيعوهم في حياتهم خاصة بل أطاعوهم بعد مماتهم كما أطاعوهم في حياتهم وأن أتباعهم لم يكونوا يعبدونهم بل يعبدون الله بأمرهم ونهيهم والله هو الحي الذي لا يموت فكم في إماتتهم من حكمة ومصلحة لهم وللأمم هذا وهم بشر ولم يخلق الله البشر في الدنيا على خلقة قابلة للدوام بل جعلهم خلائف في الأرض يخلف بعضهم بعضا فلو أبقاهم لفاتت المصلحة والحكمة في جعلهم خلائف ولضاقت بهم الأرض فالموت كمال لكل مؤمن ولولا الموت لما طاب العيش في الدنيا ولا هناء لأهلها بها فالحكمة في الموت كالحكمة في الحياة، الوجه السابع والعشرون قوله أي حكمة ومصلحة في إخراج آدم من الجنة إلى دار الابتلاء والامتحان فالجواب أن يقال كم لله سبحانه في ذلك من حكمة وكل فيه من نعمة ومصلحة تعجز العقول عن معرفتها على التفصيل ولو استفرغت قواها كلها في معرفة ذلك وإهباط آدم وإخراجه من الجنة كان يعسر كماله ليعود إليها على أحسن أحواله وهو سبحانه إنما خلقه ليستعمره وذريته في الأرض ويجعلهم خلفاء يخلف بعضهم بعضا فخلفهم سبحانه ليأمرهم وينهاهم ويبتليهم وليست الجنة دار ابتلاء وتكليف فأخرج الأبوين إلى الدار التي خلقوا منها وفيها ليتزودوا منها إلى الدار التي خلقوا لها فإذا وفوا تعب دار التكليف ونصبها عرفوا قدر تلك الدار وشرفها وفضلها ولو نشأوا في تلك الدار لما عرفوا قدر نعمته عليهم بها فأسكنهم دار الامتحان وعرضهم فيها لأمره ونهيه لينالوا بالطاعة أفضل ثوابه وكرامته وكان من الممكن أن يحصل لهم النعيم المقيم هناك لكن الحاصل عقيب الابتلاء والامتحان ومعانات الموت وما بعده وأهوال القيامة والعبور على الصراط نوع آخر من النعيم لا يدرك قدره وهو أكمل من نعيم من خلق في الجنة من الولدان والحور العين بما لا يشبه بينهما بوجه من الوجوه ومن الحكم في ذلك أنه سبحانه أراد أن يتخذ من ذرية آدم رسلا وأنبيائه وشهداء يحبهم ويحبونه وينزل عليهم كتبه ويعهد إليهم عهده ويستعبدهم له في السراء والضراء ويؤثرون محابه ومراضيه على شهواتهم وما يحبونه ويهوونه فاقتضت حكمته أن أنزلهم إلى دار ابتلاهم فيها بما ابتلاهم ليكملوا بذلك الابتلاء مراتب