من الممكن أن يسوى بينهم في النعم ويسوى بينهم في الشكر كما فعل بالملائكة قيل لو فعل ذلك لكان الحاصل من الشكر نوع آخر غير النوع الحاصل منه على هذا الوجه والشكر الواقع على التفضيل والتخصيص أعلى وأفضل من غيره ولهذا كان شكر الملائكة وخضوعهم وذلهم لعظمته وجلاله بعد أن شاهدوا من إبليس ما جرى له ومن هاروت وماروت ما شاهدوه أعلى وأكمل مما كان قبله وهذه حكمة الرب ولهذا كان شكر الأنبياء وأتباعهم بعد أن عاينوا هلاك أعدائهم وانتقام الرب منهم وما أنزل بهم من بأسه أعلى وأكمل وكذلك شكر أهل الجنة في الجنة وهم يشاهدون أعداءه المكذبين لرسله المشركين به في ذلك العذاب فلا ريب أن شكرهم حينئذ ورضاهم ومحبتهم لربهم أكمل وأعظم مما لو قدر اشتراك جميع الخلق في النعيم فالمحبة الحاصلة من أوليائه له والرضا والشكر وهم يشاهدون بين جنسهم في ضد ذلك من كل وجه أكمل وأتم، فالضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تتبين الأشياء، ولولا خلق القبيح لما عرفت فضيلة الجمال والحسن ولولا خلق الظلام لما عرفت فضيلة النور ولولا خلق أنواع البلاء لما عرف قدر العافية ولولا الجحيم لما عرف قدر الجنة ولو جعل الله سبحانه النهار سرمدا لما عرف قدره ولو جعل الليل سرمدا لما عرف قدره وأعرف الناس بقدر النعمة من ذاق البلاء وأعرفهم بقدر الفقر من قاسى مرائر الفقر والحاجة ولو كان الناس كلهم على صورة واحدة من الجمال لما عرف قدر الجمال وكذلك لو كانوا كلهم مؤمنين لما عرف قدر الإيمان والنعمة به فتبارك من له في خلقه وأمره الحكم البوالغ والنعم السوابغ يوضحه الوجه السابع عشر أنه سبحانه يجب أن يعبد بأنواع العبودية ومن أعلاها وأجلها عبودية الموالاة فيه والمعاداة فيه والحب فيه والبغض فيه والجهاد في سبيله وبذل مهج النفوس في مرضاته ومعارضة أعدائه وهذا النوع هو ذروة سنام العبودية وأعلى مراتبها وهو أحب أنواعها إليه وهو موقوف على ما لا يحصل بدونه من خلق الأرواح التي تواليه وتشكره وتؤمن به والأرواح التي تعاديه وتكفر به ويسلط بعضها على بعض لتحصل بذلك محابه على أتم الوجوه وتقرب أوليائه إليه لجهاد أعدائه ومعارضتهم فيه وإذلالهم وكبتهم ومخالفة سبيلهم فتعلو كلمته ودعوته على كلمة الباطل ودعوته ويتبين بذلك شرف علوها وظهورها ولو لم يكن للباطل والكفر والشرك وجود فعلي أي شيء كانت كلمته ودعوته تعلو فإن العلو أمر لشيء يستلزم غالبا ما يعلى عليه وعلو الشيء على نفسه محال والوقوف على الشيء لا يحصل بدونه يوضحه الوجه الثامن عشر أن من عبوديته العتق والصدقة والإيثار والمواساة والعفو والصفح والصبر وكظم الغيظ واحتمال المكاره ونحو ذلك مما لا يتم إلا بوجود متعلقه وأسبابه فلولا لم تحصل عبودية العتق فالرق من أثر الكفر ولولا الظلم والإساءة والعدوان لم تحصل عبودية الصبر والمغفرة وكظم الغيظ ولولا الفقر والحاجة لم تحصل عبودية الصدقة والإيثار والمواساة فلو سوى بين خلقه جميعهم لتعطلت هذه العبوديات التي هي أحب شيء إليه ولأجلها خلق الجن والإنس ولأجلها شرع الشرائع وأنزل الكتب وأرسل الرسل وخلق الدنيا والآخرة وكما أن ذلك من صفات كماله فلو لم يقدر الأسباب التي يحصل بها ذلك لغاب هذا الكمال وتعطلت أحكام تلك الصفات كما مر توضيحه الوجه التاسع عشر أنه سبحانه يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه أعظم فرح يقدر أو يخطر ببال أو يدور في خلد وحصول هذا الفرح موقوف على التوبة الموقوفة على وجود ما يتاب منه