وجل عقلا كما هو منتف عنه سمعا والعقل والنقل يوجب اتصافه بصفات الكمال والنقص هو ما يضاد صفات الكمال فالعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والحياة صفات كمال وأضدادها نقص فوجب تنزيهه عنها لمنافاتها لكماله وأما حصول ما يحبه الرب تعالى في الوقت الذي يحبه فإنما يكون كمالا إذا حصل على الوجه الذي يحبه فعدمه قبل ذلك ليس نقصا إذ كان لا يحب وجوده قبل ذلك الجواب الثامن أن يقال الكمال الذي يستحقه سبحانه وتعالى هو الكمال الممكن أو الممتنع فالأول مسلم والثاني باطل قطعا فلم قلت أن وجود الحادث في غير وقته الذي وجد فيه ممكن بل وجود الحادث في الأزل ممتنع فعدمه لا يكون نقصا الجواب التاسع أن عدم الممتنع لا يكون كمالا فإن الممتنع ليس بشيء في الخارج وما ليس بشيء لا يكون عدمه نقصا فإنه إن كان في المقدور ما لا يحدث إلا شيئا بعد شيء كان وجوده في الأزل ممتنعا فلا يكون عدمه نقصا وإنما يكون الكمال وجوده حين يمكن وجوده، الجواب العاشر أن يقال أنه تعالى أحدث أشياء بعد أن لم يكن محدثا لها كالحوادث المشهودة حتى أن القائلين بكون الفلك قديما عن عله موجبة يقرون بذلك ويقولون أنه يحدث الحوادث بواسطته وحينئذ فنقول هذا الإحداث إما أن يكون صفة كمال وإما أن لا يكون فإن كان صفة كمال فقد كان فاقدا لها قبل ذلك وإن لم يكن صفة كمال فقد اتصف بالنقص فإن قلت نحن نقول بأنه ليس صفة كمال ولا نقص قيل فهلا قلتم ذلك في التعليل وأيضا فهذا محال في حق الرب تعالى فإن كل ما يفعله يستحق عليه الحمد وكل ما يقوم من صفاته فهو صفة كمال وضده نقص وقد ينازع النظار في الفاعلية هل هي صفة كمال أم لا وجمهور المسلمين من جميع الفرق يقولون هي صفة كمال وقالت طائفة ليست صفة كمال ولا نقص وهو قول أكثر الأشعرية فإذا التزم له هذا القول قيل له الجواب من وجهين أحدهما أن من المعلوم تصريح العقل أن من يخلق أكمل ممن لا يخلق كما قال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} وهذا استفهام إنكار يتضمن الإنكار على من سوى بين الأمرين يعلم أن أحدهما أكمل من الآخر قطعا ولا ريب أن تفضيل من يخلق على من لا يخلق في الفطر والعقول كتفضيل من يعلم على من لا يعلم ومن يقدر على من لا يقدر ومن يسمع ويبصر على من لا يسمع ولا يبصر ولما كان هذا مستقرا في فطر بني آدم جعله الله تعالى من آلة توحيده وحججه على عباده قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون} وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ} وقال تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ} فمن سوى بين صفة الخالقية وعدمها فلم يجعل وجودها كمالا ولا عدمها نقصا فقد أبطل حجج الله وأدلة توحيده وسوى بين ما جعل بينهما أعظم التفاوت وحينئذ فنقول في الجواب الحادي عشر إذا كان الأمر كما ذكرتم فلم لا يجوز أن يفعل لحكمة يكون وجودها وعدمها بالنسبة إليه سواء كما أنه عندكم لم يحدث ما يحدثه مع كون الإحداث والخلق وعدمه بالنسبة إليه سواء مع أن هذه إرادة لا تعقل في