ومنه وتفضله عليه بالهداية والإيمان كما قال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} فخلق الرب سبحانه لهم الحياة والسمع والبصر والعقول والأفئدة وإرسال الرسل وتبليغهم البلاغ الذي اهتدوا به وإلهامهم الإيمان وتحبيبه إليهم وتزيينه في قلوبهم وتكريه ضده إليهم كل ذلك من نعمه كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فجميع ما يتقلب فيه العالم من خير الدنيا والآخرة هو نعمة محضة بلا سبب سابق يوجب ذلك لهم ومن غير حول وقوة منهم إلا به وهو خالقهم وخالق أعمالهم الصالحة وخالق جزائها وهذا كله منه سبحانه بخلاف الشر فإنه لا يكون إلا بذنوب العبد وذنبه من نفسه وإذا تدبر العبد هذا علم أن ما هو فيه من الحسنات من فضل الله فشكر ربه على ذلك فزاده من فضله عملا صالحا ونعما يفيضها عليه وإذا علم أن الشر لا يحصل له إلا من نفسه وبذنوبه استغفر ربه وتاب فزال عنه سبب الشر فيكون دائما شاكرا مستغفرا فلا يزال الخير يتضاعف له والشر يندفع عنه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته الحمد لله فيشكر الله ثم يقول نستعينه ونستغفره نستعينه على طاعته ونستغفره من معصيته ونحمده على فعله وإحسانه ثم قال ونعوذ بالله من شرور أنفسنا لما استغفره من الذنوب الماضية استعاذ به من الذنوب التي لم تقع بعد ثم قال ومن سيئات أعمالنا فهذه استعاذة من عقوبتها كما تقدم ثم قال من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له فهذه شهادة للرب بأنه المتصرف في خلقه بمشيئته وقدرته وحكمته وعلمه وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء فإذا هدى عبدا لم يضله أحد وإذا أضله لم يهده أحد وفي ذلك إثبات ربوبيته وقدرته وعلمه وحكمته وقضائه وقدره الذي هو عقد نظام التوحيد وأساسه وكل هذا مقدمة بين يدي قوله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فإن الشهادتين إنما تتحققان بحمد الله واستعانته واستغفاره واللجأ إليه والإيمان بأقداره والمقصود أنه سبحانه فرق بين الحسنات والسيئات بعد أن جمع بينهما في قوله كل من عند الله فجمع بينهما الجمع الذي لا يتم الإيمان إلا به وهو اجتماعهما في قضائه وقدره ومشيئته وخلقه ثم فرق بينهما الفرق الذي ينتفعون به وهو أن هذا الخير والحسنة نعمة منه فاشكروه عليه يزدكم من فضله ونعمه وهذا الشر والسيئة بذنوبكم فاستغفروه يرفعه عنكم وأصله من شرور أنفسكم فاستعيذوا به يخلصكم منها ولا يتم ذلك إلا بالإيمان بالله وحده وهو الذي يهدي ويضل وهو الإيمان بالقدر فادخلوا عليه من بابه فإن أزمة الأمور بيده فإذا فعلتم ذلك صدق منكم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهذه الخطبة العظيمة عقد نظام الإسلام والإيمان فلو اقتصر لهم على الجمع دون الفرق أعرض العاصي والمذنب عن ذم نفسه والتوبة من ذنوبه والاستعاذة من شرها وقام في قلبه شاهد الاحتجاج على ربه بالقدر وتلك حجة داحضة تبع الأشقياء فيها إبليس وهي لا تزيد صاحبها إلا شقاء وعذابا كما زادت إبليس طردا وبعدا عن ربه وكما زادت المشركين ضلالا وشقاء حين قالوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا وكما تزيد الذي يقول يوم القيامة لو أن الله هداني لكنت من المتقين حسرة وعذابا ولو اقتصر لهم على الفرق دون الجمع لغابوا به في التوحيد والإيمان بالقدر واللجأ إلى الله في الهداية والتوفيق والاستعاذة به من شر النفس وسيئات العمل والافتقار التام إلى إعانته وفضله وكان في الجمع والفرق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015