فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ومنها أنه سبحانه قد شهد له بالرسالة بما أظهره على يديه من الآيات الدالة على صدقه وأنه رسوله حقا فلا يضره جحد هؤلاء الجاهلين الظالمين المتطيرين به لرسالته ومن شهد له رب السماوات والأرض ومنها أنهم أرادوا أن يجعلوا سيئاتهم وعقوباتها حجة على إبطال رسالته فشهد له بالرسالة وأخبر أن شهادته كافيه فكان في ضمن ذلك إبطال قولهم أن المصائب من عند الرسول صلى الله عليه وسلم وإثبات أنها من عند أنفسهم بطريق الأولى ومنها إبطال قول الجهمية المجبرة ومن وافقهم في قولهم إن الله قد يعذب العباد بلا ذنب ومنها إبطال قول القدرية الذين يقولون أن أسباب الحسنات والسيئات ليست من الله بل هي من العبد ومنها ذم من لم يتدبر القرآن ولم يفقهه وإن إعراضه عن تدبره وفقهه يوجب له من الضلال والشقاء بحسب إعراضه ومنها إثبات الأسباب وإبطال قول من ينفيها ولا يرى لها ارتباطا بمسبباتها ومنها أن الخير كله من الله والشر كله من النفس فإن الشر هو الذنوب وعقوبتها والذنوب من النفس وعقوباتها مترتبة عليها والله هو الذي قدر ذلك وقضاه وكل من عنده قضاء وقدرا وإن كانت نفس العبد سببه بخلاف الخير والحسنات فإن سببها مجرد فضل الله ومنه وتوفيقه كما تقدم تقريره ومنها أنه سبحانه لما رد قولهم أن الحسنة من الله والسيئة من رسوله وأبطله بقوله: {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} رفع وهم من توهم أن نفسه لا تأثير لها في السيئة ولا هي منها أصلا بقوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} وخاطبه بهذا تنبيها لغيره كما تقدم ومنها أنه قال في الرد عليهم: {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ولم يقل من الله لما جمع بين الحسنات والسيئات والحسنة مضافة إلى الله من كل وجه والسيئة إنما تضاف إليه قضاء وقدرا وخلقا وأنه خالقها كما هو خالق الحسنة فلهذا قال: {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وهو سبحانه إنما خلقها لحكمة فلا تضاف إليه من جهة كونها سيئة بل من جهة ما تضمنته من الحكمة والعدل والحمد وتضاف إلى النفس كونها سيئة ولما ذكر الحسنة مفردة عن السيئة قال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ولم يقل من عند الله فالخير منه وأنه موجب أسمائه وصفاته والشر الذي هو بالنسبة إلى العبد شر من عنده سبحانه فإنه مخلوق له عدلا منه وحكمة ثم قال: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} ولم يقل من عندك لأن النفس طبيعتها ومقتضاها ذلك فهو من نفسها والجميع من عند الله فالسيئة من نفس الإنسان بلا ريب والحسنة من الله بلا ريب وكلاهما من عنده سبحانه قضاء وقدرا وخلقا ففرق بين ما من الله وبين ما من عنده والشر لا يضاف إلى الله إرادة ولا محبة ولا فعلا ولا وصفا ولا اسما فإنه لا يريد إلا الخير ولا يحب إلا الخير ولا يفعل شرا ولا يوصف به ولا يسمى باسمه وسنذكر في باب دخول الشر في القضاء الإلهي وجه نسبته إلى قضائه وقدره إن شاء الله.

فصل: وقد اختلف في كاف الخطاب في قوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} هل هي لرسول الله أو هي لكل واحد من الآدميين، فقال ابن عباس في رواية الوالبي عنه: "الحسنة ما فتح الله عليه يوم بدر من الغنيمة والفتح والسيئة ما أصابه يوم أحد أن شج في وجهه وكسرت رباعيته"، وقالت طائفة بل المراد جنس ابن آدم كقوله: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} روى سعيد عن قتادة: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} قال عقوبة يا ابن آدم بذنبك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015