والعبد فعله وباشره والقدرة الحادثة وأثرها واقعان بقدرة الرب ومشيئته.

فصل: قال الجبري: لو كان العبد فاعلا لأفعاله لكان عالما بتفاصيلها لأنه يمكن أن يكون الفعل أزيد مما فعله أو أنقص فوقوعه على ذلك الوجه مشروط بالعلم بتفصيله ومعلوم أن النائم والغافل قد يفعل الفعل ولا يشعر بكيفية ولا قدرة وأيضا فالمتحرك يقطع المسافة ولا شعور له بتفاصيل الحركة ولا أجزاء المسافة ومحرك أصبعه لأجزائها ولا يشعر بعدد أجزائها ولا بعدد أحيازها والمنفس يتنفس باختياره ولا يشعر في الغالب بنفسه فضلا عن أن يشعر بكميته وكيفيته ومبدئه ونهايته والغافل قد يتكلم بالكلمة ويفعل الفعل باختياره ثم بعد فراغه منه يعلم أنه لم يكن قاصدا له فنحن نعلم علما ضروريا من أنفسنا عدم علمنا بوجود أكثر حركاتنا وسكناتنا في حالة المشي والقيام والقعود ولو أردنا فصل كل جزء من أجزاء حركاتنا في حالة إسراعنا بالمشي والحركة والإحاطة به لم يمكنا ذلك بل ونعلم ذلك من حال أكمل العقلاء فما الظن بالحيوانات العجم في مشيها وطيرانها وسباحتها حتى الذر والبعوض وهنا مشاهد في السكران ومن اشتد به الغضب ولهذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} فدل على أن السكران يصدر منه أقوال لا يعلم بها فكيف يكون هو المحدث لتلك الأقوال وهو لا يشعر بها والإرادة فرع الشعور ولهذا أفتى الصحابة بأنه لا يقع طلاق السكران نزلوا حركة لسانه منزلة تحريك غيره له بغير إرادته ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق في الإغلاق" لأن الإغلاق يمنع العلم والإرادة فكيف يكون التطليق فعله وهو غير عالم به ولا مريد له وأيضا فقد قال جمهور الفقهاء أن الناسي غير مكلف لأن فعله لا يدخل تحت الاختيار ففعله غير مضاف إليه مع أنه وقع باختياره وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بعينه في قوله: "من أكل أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" فأضاف فعله إلى الله لا إليه فلم يكن له فعل في الأكل والشرب فلم يفطر به قال السني: هذا موضع تفصيل لا يليق به الإجمال فنقول ما يصدر من العبد من الأفعال ينقسم أقساما متعددة بحسب قدرته وعلمه وداعيته وإرادته فتارة يكون ملجأ إلى الفعل لا إرادة له فيه بوجه ما كمن أمسكت يده وضرب بها غيره أو أمسكت أصبعه وقلع بها عين غيره فهذا فعله بمنزلة حركات الأشجار بالريح ولهذا لا يترتب عليه حكم البتة ولا يمدح عليه ولا يذم ولا يثاب ولا يعاقب وهذا لا يسمى فاعلا عقلا ولا شرعا ولا عرفا وتارة يكون مكرها على أن يفعل فهذا فعله يضاف إليه وليس كالملجأ الذي لا فعل له واختلف الناس هل يقال أنه فعل باختياره وأنه يختار ما فعله أو لا يطلق عليه ذلك على قولين والتحقيق أن النزاع لفظي فإنه فعل بإرادة هو محمول عليها مكره عليها فهو مكره مختار مكره على أن يفعل بإرادته مريد ليفعل ما أكره عليه فإن أريد بالمختار من يفعل بإرادته وإن كان كارها للفعل فالمكره مختار وأيضا فهو مختار ليفعل ما أكره لتخلصه به مما هو أكره إليه من الفعل فلما عرض له مكروهان أحدهما أكره إليه من الآخر اختار أيسرهما دفعا لأشقهما ولهذا يقتل قصاصا إذا قتل عند الجمهور والملجأ لا يقتل باتفاق الناس ومما يوضح هذا أن المكره على التكلم لا يتأتى منه التكلم إلا باختياره وإرادته ولهذا أوقع طلاقه وعتاقه بعض العلماء والجمهور قالوا لا يقع لأن الله جعل كلام المكره على كلمة الكفر لغو لا يترتب عليه أثره لأنه وإن قصد التكلم باللفظ دفعا عن نفسه فلم يقصد معناه وموجبه حتى قال بعض الفقهاء لو قصد الطلاق بقلبه مع الإكراه لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015