السؤال الثاني عشر

السؤال الثاني عشر: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق -: " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه المَلَك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد. فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " .. رواه البخاري ومسلم

السؤال: إذا كان الله عز وجل، قد كتب من قبل مصير كل واحد منا أشقي هو أم سعيد، كما قد كتب أفعالنا قبل وقوعها .. فلماذا نحاسب على أعمالنا المكتوبة ولماذا يعذب العصاة على أمور قد قدرها الله عليهم، ولماذا نعمل إذا كان مصيرنا قد تحدد مسبقاً .. ؟!

فهم القدر وما يتعلق به، أشكل على الكثير، وتباينت حوله الآراء، وانشقت لأجله فرق .. ولكن رأي أهل السنة والجماعة في هذه المسائل باختصار كالتالي:

إن كل ما في الكون مكتوب ومسجل، وقد أحصى الله كل شيء عدداً، وأحاط بكل شيء علماً .. فما كتبه الله عز وجل على الإنسان قبل وقوعه من باب علمه الأزلي .. فهو قوة كاشفة، لا مُكرِهة .. فقد علم أن " فلان " سيؤمن وسيعمل صالحاً فكتب أنه من السعداء .. وعلم أن " فلان " سيكفر أو يعمل سوءاً فكتب أنه من الأشقياء .. ومثال ذلك - ولله المثل الأعلى - حينما يعرف المعلم طالباً مجتهداً طيلة العام، فيخبره بأنه سينجح .. ويعرف طالباً آخر كسول ومهمل فيخبره بأنه سيخفق .. فهل يقع اللوم على المعلم أم على الطالب .. ؟!

إن كتابة الأشياء قبل وقوعها لا ينافي العمل والاجتهاد .. لأن الله عز وجل يقدر الأسباب والمسببات معاً، والنتائج والمقدمات معاً .. فالسعادة مرتبطة بالعمل الصالح، والشقاوة مرتبطة بالعمل السيء .. ولو جاء شخص وقال: إذا كتب الله لي ولد فسيأتيني الولد، فلا داعي للزواج .. هل سنقبل كلامه .. ؟! .. بالطبع لا .. لأنه لم يأخذ بالأسباب .. فكذلك الذي يترك العمل أو يحتج بالقدر على ذنوبه .. لأنه يرى أن مصيره قد تحدد مسبقاً .. !

لقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقاة نتقي بها، هل ترد من قدر الله شيئاً، فقال: "هي من قدر الله " .. فأوضح لهم أن الأسباب والمسببات من قدر الله عز وجل .. ولقد فهم عمر رضي الله عنه هذه القاعدة، حينما حل الوباء بأرض الشام .. قال ابن عباس رضي الله عنهما: " فنادى عمر في الناس إِني مصبح علَى ظهر فأَصبِحوا عليه .. قال أبو عبيدة بن الجراح أَفرارا من قَدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قَالها يا أبا عبيدة نعم نفر من قَدرِ الله إِلى قَدر الله .. أرأيت لَو كَان لك إِبِل هبطت واديا له عدوتان إِحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إِن رعيت الخصبة رعيتها بقَدر الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015