– تفيد أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية , ما دام أنه حكم عليه منذ القديم وقبل أن يخلق: بالجنة أو النار.

وقد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى أو حظ , فمن وقع في القبضة اليمنى , كان من أهل السعادة , ومن كان من القبضة الأخرى , كان من أهل الشقاوة.

فيجب أن يعلم هؤلاء جميعاً أن الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى 11 , لا في ذاته , ولا في صفاته , فإذا قبض قبضة , فهي بعلمه وعدله وحكمته , فهو تعالى قبض باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته , وقبض بالأخرى على من سبق في علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعة , ويستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى , والعكس بالعكس , كيف والله عز وجل يقول (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) القلم 35 - 36

ثم إن كلاً من القبضتين ليس فيها إخبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار , بل هو حكم من الله تبارك وتعالى عليهم بما سيصدر منهم , من إيمان يستلزم الجنة , أو كفر يقتضي النار والعياذ بالله تعالى منها , وكل من الإيمان أو الكفر أمران اختياريان , لا يكره الله تبارك وتعالى أحداً من خلقه على واحد منهما (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف 29 , وهذا مشاهد معلوم بالضرورة , ولولا ذلك , لكان الثواب والعقاب عبثاً , والله منزه عن ذلك.

ومن المؤسف حقاً أن نسمع من كثير من الناس – حتى من المشايخ – التصريح بأن الإنسان مجبور لا إرادة له , وبذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن يظلم الناس , مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة , وإعلانه بأنه قادر على الظلم , ولكنه نزه نفسه عنه , كما في الحديث القدسي المشهور: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ..... ) , وإذا جوبهوا بهذه الحقيقة , بادروا إلى الاحتجاج بقوله تعالى: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) الأنبياء 23 , مصرين بذلك على أن الله تعالى قد يظلم , ولكنه لا يسأل عن ذلك تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

وفاتهم أن الآية حجة عليهم , لأن المراد بها -كما حققه العلامة ابن القيم في (شفاء العليل) وغيره- أن الله تعالى لحكمته وعدله في حكمه ليس لأحد أن يسأله عما يفعل , لأن كل أحكامه تعالى عدل واضح , فلا داعي للسؤال .. .انتهى).

- كل قضاء للمؤمن هو خيرٌ له وإن كان ظاهره الشر:

فإنه قد ثبت في الصحيح (أن الله تعالى لا يقضي للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015