ولا ملجأ منه إلا إليه ; وأنه على كل شيء قدير.
فجميع ما في السماوات والأرض من الأعيان وصفاتها وحركاتها ; فهي مخلوقة له ; مقدورة له ; مصرفة بمشيئته، لا يخرج شيء منها عن قدرته وملكه ; ولا يشركه في شيء من ذلك غيره ; بل هو سبحانه لا إله إلا هو وحده لا شريك له ; له الملك وله الحمد ; وهو على كل شيء قدير، فالعبد فقير إلى الله في كل شيء، يحتاج إليه في كل شيء لا يستغني عن الله طرفة عين ; فمن يهده الله فلا مضل له ; ومن يضلل فلا هادي له.
فإذا ثبتت هاتان " المقدمتان ". فنقول: إذا أُلهم العبد أن يسأل الله الهداية ويستعينه على طاعته، أعانه وهداه، وكان ذلك سبب سعادته في الدنيا والآخرة، وإذا خُذل العبد فلم يعبد الله ; ولم يستعن به، ولم يتوكل عليه، وُكل إلى حوله وقوته. فيوليه الشيطان، وصد عن السبيل، وشقي في الدنيا والآخرة وكل ما يكون في الوجود هو بقضاء الله وقدره ; لا يخرج أحد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خُط له في اللوح المحفوظ، وليس لأحد على الله حجة ; بل (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل.
وعلى العبد أن يؤمن بالقدر، وليس له أن يحتج به على الله ; فالإيمان به هدى ; والاحتجاج به على الله ضلال وغي، بل الإيمان بالقدر يوجب أن يكون العبد صباراً شكوراً ; صبوراً على البلاء، شكوراً على الرخاء، إذا أصابته نعمة علم أنها من عند الله فشكره، سواء كانت النعمة حسنة فعلها، أو كانت خيراً حصل بسبب سعيها، فإن الله هو الذي يسر عمل الحسنات، وهو الذي تفضل بالثواب عليها، فله الحمد في ذلك كله.
وإذا أصابته مصيبة صبر عليها، وإن كانت تلك المصيبة قد جرت على يد غيره، فالله هو الذي سلط ذلك الشخص، وهو الذي خلق أفعاله، وكانت مكتوبة على العبد ; كما قال تعالى) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) وقال) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (قالوا: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. وعليه إذا أذنب أن يستغفر ويتوب، ولا يحتج على الله بالقدر، ولا يقول: أي ذنب لي وقد قدر علي هذا الذنب ; بل يعلم أنه هو المذنب العاصي الفاعل للذنب، وإن كان ذلك كله بقضاء الله وقدره ومشيئته، إذ لا يكون شيء إلا بمشيئته وقدرته وخلقه ; لكن العبد هو الذي أكل الحرام، وفعل الفاحشة، وهو الذي ظلم نفسه ; كما أنه هو الذي صلى وصام وحج وجاهد، فهو الموصوف بهذه الأفعال ; وهو المتحرك بهذه الحركات، وهو الكاسب بهذه المحدثات، له ما كسب وعليه ما اكتسب، والله خالق ذلك وغيره من الأشياء لما له في ذلك من الحكمة البالغة بقدرته التامة ومشيئته النافذة قال تعالى) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ (فعلى العبد أن يصبر على المصائب، وأن يستغفر من المعائب , والله تعالى لا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى