ولقد فتن شوقي بجمال دمشق فهو يراها جنة من جنان الله، بل هي بالنسبة للأرض حديقتها التي تسكب عليها الجمال، وبردى في نظره حارس هذه الجنة، يخرج مصفقاً لاستقبال نزلائها، أما غوطتها فهي زمردة خضراء، وليست منتزهاتها إلا ملاعب ومسارح. . .

جرى وصفق يلقانا بها بردى ... كما تلقاك دون الخلد رضوان

دخلتها وحواشيها زمردة ... والشمس فوق لجين الماء عقيان

والحَوْر في دمّر أو حول هامتها ... حُور كواشف عن ساق وولدان

وربوة الواد في جلباب راقصة ... الساق كاسية والنحر عريان

وقد صفا بردى للريح فابتردت ... لدى ستور حواشيهن أفنان

هكذا يمضي شوقي في هذا الوصف المترف لدمشق، فيجمع فيه من الألوان والظلال وصور البهجة واللهو ما يعبر عن طبيعته المشبعة بالترف النزاعة إلى اللذائذ.

وإذا وقف شوقي أمام آثار مصر القديمة غَمَره الخشوع، وتفاعلت نفسه بذكريات حزينة على مجد ضائع، فيعرض ما يراه من تلك الآثار ممزوجاً بأحاسيسه النفسية، في صور دقيقة تفرغ الحياة على تلك الجمادات. فلنستمع إليه يصف هيكل أنس الوجود بأسوان وقد غرق بعضه في الماء، وانتصب بعضه في الفضاء:

أيها المنتحي بأسوان داراً ... كالثريا تريد أن تنقضا

اخلع النعل واخفض الطرف واخشع ... لا تحاول من آية الدهر غضا

قف بتلك القصور في اليم غرقى ... ممسكاً بعضها من الذعر بعضا

شاب من حولها الزمان وشابت ... وشباب الفنون ما زال غضا

وليست أطلال العرب بأقل أثراً في نفس شوقي من أطلال الفراعنة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015