واستدعى الإمبراطور المقوقس إلى القسطنطينية؛ حيث أنَّبه واتهمه بالخيانة، ونفاه وهدده بالقتل1. وعلم المسلمون برفض الصلح، فانتهت الهدنة وعاد القتال بين الفريقين، فألقى الروم في الخندق حسك الحديد، وعطلوا تقدم المسلمين إلى الحصن، وأقاموا على التراشق بالحجارة والسهام حتى تصرمت أشهر الشتاء، وجاءت الأنباء بموت هرقل؛ ولكن الحصن ظل يقاوم.
وضاق العرب بطول الحصار الذي استمر شهورًا سبعة، وهانت عليهم أنفسهم حتى وهب الزبير نفسه لله، وأتى في جنح الليل بكتيبة آزرته فطموا الخندق، ووضعوا سلمًا علاه الزبير، وانطلق يكبر وتبعه أصحابه وكبروا، وأجاب المسلمون من خارج الحصن، فلم يشك الروم في أن العرب اقتحموا الحصن فهربوا، وعمد الزبير إلى باب الحصن ففتحه، ودخله المسلمون واستولوا عليه2.
وبعد سقوط بابليون انفتح الطريق أمام المسلمين نحو مصر السفلى وريفها، ولكن الترع والفيضانات والقنوات وفيضان الماء، كل هذا جعلهم يطلبون مساعدة الأهالي، الذين استجابوا لهم وصاروا لهم أعوانًا3. واستغرق مسير عمرو إلى الإسكندرية اثنين وعشرين يومًا، وكان الروم قد تقهقروا إليها للاحتماء بها، فهي قصبة البلاد وسقوطها يعني زوال سلطان الروم عن مصر زوالًا تامًّا؛ ولهذا فقد أخذت الجيوش الجرارة تنتهي إليها عن طريق البحر، والحاميات تفر إليها عن طريق البر، وأغلقت حامياتها الأبواب وتحصنوا.
وكان أول صدام للمسلمين في طريقهم بالروم عند عبورهم فرع رشيد إلى الغرب، عند ترنوط4، وكان قتال طفيف، انتصر فيه المسلمون5. وأرسل عمرو من هناك حملة بقيادة شريك بن سمى، لقيت الروم عند الكوم الذي سمي باسمه، فنصر الله المسلمين6.