أهل اليمن ليسوا كأهل نجد والحجاز كلفا بالشعر ومعرفة به واستجابة له، فربما يفسر ذلك انعدام هذه الروح العصبية في الشعر، وسيزول عجبنا إذا ما عرفنا أن شعر الفتح الإسلامي في الشام ليس إلا ما خلفه جند خالد بن الوليد الذين رافقوه من العراق، وفيما عدا شعرهم لا نجد إلا قلة نادرة، إذا ما قورنت بشعر الفتح في العراق وفارس، وهذا يرجع إلى أنها كانت في جمهورها يمنية، ومعنى ذلك: أن القبائل اليمنية التي فتحت الشام جنت على الشعر في هذه المناطق، ووسمتها بالإجداب والضحالة، وجعلتها من بعد مهبطًا للشعراء الوافدين.

وحدث نفس الأمر في فتح مصر؛ إذ يجمع المؤرخون على أن الجيش الذي فتح مصر بقيادة ابن العاص كانت كثرته من أهل اليمن، من عك وغافق1، فضلًا عمن دخلوها معه ممن أسلم من عرب الشام قبل اليرموك2، وأولاد الأبناء اليمنيين الذين كانوا بصنعاء، ومسلمة الروم من بني ينة، وبني الزرق، وبني روبيل، ممن عرفوا بالحمراء، وكانوا قد أسلموا قبل اليرموك3. كما انضم إليه عرب سيناء من قضاعة، وبعد أن فصل عن العريش لحق به قوم من بني راشدة وقوم من لخم. وبهذا يشكل أهل اليمن نواة الجند الإسلامي في مصر، وتتابع الأمداد بعد ذلك. وإذا كان المؤرخون يختلفون حول هذه الأمداد وأعدادها فإنهم لا يذكرون شيئًا عن كيفية تصنيفها4.

وبرغم هذا فإننا لو رجعنا إلى تسمية القبائل في الخطط التي نزلتها لاتضح لنا أن كثرتها من عرب اليمن5. ونعلم أن هذه القبائل لم تشترك جميعها في الفتح، وإنما وفدت كثرتها بعد أن استدعاها ذووها من الفاتحين. وتذكر بعض الروايات أن جموعًا كبيرة من هذيل قد دخلت مصر مع أمداد عمر لعمرو6، وأنها نزلت في الحمراء الوسطى7. وقد تميز دخول المسلمين إلى مصر بمثل ما تميز به دخولهم إلى العراق، من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015