شعب الايمان (صفحة 90)

74 - وَبِإِسْنَادِهِ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حدثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حدثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: الرَّجُلُ يَقُولُ: لَا أَدْرِي -[167]- أَمُؤْمِنٌ أَنَا أَمْ لَا؟ قَالَ: " سُبْحَانَ اللهِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] فَهُوَ الْغَيْبُ، فَمَنْ آمَنَ بِالْغَيْبِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللهِ " قَالَ الْإِمَامُ أحمد - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: " فَهَذَا الَّذِي رُوِّينَا مِنْ إِطْلَاقِ مُعَاذٍ، وَمَا رُوِيَ مُرْسَلًا مِنْ تَصْوِيبِ قول عُمَرَ، وَقَوْلِ عَطَاءٍ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرُسُلِهِ بِالْمُؤْمِنِ يَرْجِعُ إِلَى الْحَالِ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: " لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْمِيَةِ نَفْسِهِ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ لِأَجْلِ مَا يَخْشَاهُ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ - نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهُ - لِأَنَّ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ، وَحَبِطَ مَا قَدَّمَ مِنْ إِيمَانِهِ، فَلَيْسَ يَنْقَلِبُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ مَعْدُومًا مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنَّمَا يَحْبَطُ أَجْرُهُ وَيَبْطُلُ ثَوَابُهُ - وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ - وَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ مِنَ السَّلَفِ إِطْلَاقَ اسْمِ الْإِيمَانِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ مَا قَالَ أَنْ يَقُولَ الْوَاحِدُ: أَنَا مُؤْمِنٌ وَأَعِيشُ مُؤْمِنًا، وَأَمُوتُ مُؤْمِنًا، وَأَلْقَى اللهَ مُؤْمِنًا، وَلَا يَسْتَثْنِي، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قُلْ إِنِّي فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا كَانَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا في سَاعَةً مِنْ عُمْرِهِ أَوْ يَوْمًا أَوْ سَنَةً كَانَ فِي الْجَنَّةِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِمَنِ اتَّكَلَ عَلَى إِيمَانِهِ فَقَطَعَ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُطْلَقٌ فِي عَامَّةِ أَحْوَالِهِ، وَأَوْقَاتِهِ وَلَا يَعِيشُ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَمُوتُ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَمْ يَكِلْ أَمْرَهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمَّا قَوْلُ الْمُؤْمِنِ: أَنَا الْآنَ مُؤْمِنٌ فَلَيْسَ مِمَّا يُنْكَرُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إِذَا كَانَ الْخَبَرُ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ خَاصَّةً، فَيَكُونُ الْمَعْنِيُّ أَرْجُو أَنْ يَمُنَّ اللهُ عَلَيَّ بِالتَّثَبُّتِ، وَلَا يَسْلُبُنِي هِدَايَتَهُ بَعْدَ أَنْ آتانِيهَا، قَالَ وَلِلِاسْتِثْنَاءِ مَوْضِعٌ آخَرُ يَصِحُّ فِيهِ، وَيَحْسُنُ وَهُوَ أَنْ يُرَدَّ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ -[168]- لَا عَلَى أَصْلِهِ وَأُسِّهِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ قَتَادَةَ أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأُومِنُ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَبِكُتُبِهِ وَبِرُسُلِهِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وأَمَّا الصُّفَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] قَرَأَ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 4] فَلَا أَدْرِي أَنَا مِنْهُمْ أَوْ لَا. فَقَدْ أَبَانَ قَتَادَةُ أَنَّهُ قَدْ آمَنَ الْإِيمَانَ الَّذِي يُبْعِدُهُ عَنِ الْكُفْرِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَدْرِي اسْتَكْمَلَ الْأَوْصَافَ الَّتِي حَكَى اللهُ تَعَالَى بِهَا قَوْمًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَوْجَبَ لَهُمْ بِهَا الْمَغْفِرَةَ وَالدَّرَجَاتِ، وَكَانَ ذَلِكَ تَشَكُّكًا مِنْهُ فِي الِاسْتِكْمَالِ الَّذِي يُوجِبُ لَهُ الدَّرَجَاتِ لَا فِي مُجَانَبَةِ الْكُفْرِ الَّذِي يُسْقِطُ عَنْهُ الْعَذَابَ، فَمَنْ وَضَعَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ فَلَيْسَ مِنَ الشَّكَّاكِ " قَالَ أحمد رَحِمَهُ اللهُ تعالى: " وَقَدْ رُوِّينَا مَعْنَى هَذَا، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015