شعب الايمان (صفحة 857)

فَدَلَّ جَمِيعُ مَا وَصَفْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْخَوْفَ مِنَ اللهِ تَعَالَى مِنْ تَمَامِ الِاعْتِرَافِ بِمُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَنَفَاذِ مَشِيئَتِهِ فِي خَلْقِهِ , وَأَنَّ إِغْفَالَ ذَلِكَ إِغْفَالُ الْعُبُودِيَّةِ إِذْ كَانَ مِنْ حَقِّ كُلِّ عَبْدٍ وَمَمْلُوكٍ أَنْ يَكُونَ رَاهِبًا لِمَوْلَاهُ لِثُبُوتِ يَدِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ , وَعَجْزِ الْعَبْدِ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ وَتَرْكِ الِانْقِيَادِ لَهُ. قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ وَالْخَوْفُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: مَا يَحْدُثُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعَبْدِ بِذِلَّةِ نَفْسِهِ وَهَوَانِهَا وَقُصُورِهَا , وَعَجْزِهَا عَنِ الِامْتِنَاعِ عَنِ اللهِ - تَعَالَى جَدُّهُ - إِنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ وَهَذَا نَظِيرُ خَوْفِ الْوَلَدِ وَالِدَيْهِ , وَخَوْفِ النَّاسِ سُلْطَانَهُمْ وَإِنْ كَانَ عَادِلًا مُحْسِنًا , وَخَوْفِ الْمَمَالِيكِ مُلَّاكَهُمْ. وَالثَّانِي: مَا يَحْدُثُ مِنَ الْمَحَبَّةِ , وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ وَجِلًا مِنْ أَنْ يَكِلَهُ إِلَى نَفْسِهِ , وَيَمْنَعَهُ مَوَادَ التَّوْفِيقِ , وَيَقْطَعَ دُونَهُ الْأَسْبَابَ. وَهَذَا خُلُقُ كُلِّ مَمْلُوكٍ أَحْسَنَ إِلَيْهِ سَيِّدُهُ , فَعَرَفَ قَدْرَ إِحْسَانِهِ فَأَحَبَّهُ , فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يُشْفِقُ عَلَى مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ خَائِفًا مِنَ السُّقُوطِ عَنْهَا وَالْفَقْدِ لَهَا. والثَّالِثُ: مَا يَحْدُثُ مِنَ الْوَعِيدِ. وَقَدْ نَبَّهَ الْكِتَابُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارَا} [نوح: 13] أَيْ لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: هَكَذَا فَسَّرَهُ الْكَلْبِيُّ فِيمَا رَوَاهُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015