7341 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، نا فَتْحُ بْنُ -[174]- عَمْرٍو، نا أَبُو أُسَامَةَ، أنا الْمُفَضَّلُ بْنُ مُهَلْهِلٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ آخِرَ مَا يَبْقَى مِنَ النُّبُوَّةِ الْأُولَى، إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ " قَالَ أَبُو أُسَامَةَ يَقُولُ: " اسْتَكْثِرْ مِنَ الْخَيْرِ مَا اسْتَطَعْتَ " قَالَ أَحْمَدُ: وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْعُرَنِيِّينَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: هَذَا أَمْرٌ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ كَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَمْ يَسْتَحِ صَنَعَ مَا شَاءَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، قَالَ: وَقَالَ ثَعْلَبَةُ: هَذَا عَلَى الْوَعِيدِ مَعْنَاهُ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ فَإِنَّ اللهَ مُجَازِيكَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: النُّبُوَّةُ الْأُولَى إِنَّ الْحَيَاءَ لَمْ يَزَلْ مَمْدُوحًا عَلَى أَلَسُنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَمَأْمُورًا بِهِ لَمْ يُنْسَخْ فِيمَا نُسِخَ مِنَ الشَّرَائِعِ، فَالْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ فِيهِ عَلَى مِنْهَاجٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ لَفْظُهُ لَفْظُ أَمْرٍ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ، يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لَكَ حَيَاءٌ يَمْنَعُكَ مِنَ الْقَبِيحِ صَنَعَتْ مَا شِئْتَ، يُرِيدُ مَا تَأْمُرُكَ بِهِ النَّفْسُ وَتَحْمِلُكَ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ، وَحَقِيقَتُهُ مَنْ لَمْ يَسْتَحِ صَنَعَ مَا شَاءَ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ هُوَ: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ افْعَلْ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ لَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ، أَيْ -[175]- مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ فَلَا يَفْعَلْهُ، وَفِيهِ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْوَعِيدَ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] قُلْتُ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي حَكَيْنَاهَا مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي اللَّفْظِ، وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَإِذَا حَافَظَ عَلَى الْجَمَاعَةِ اسْتَحْيَا مِنَ النَّاسِ، فَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَخَافَ ذَمَّ الْجِيرَانِ إِيَّاهُ، فَلَا يُفَارِقُ الْمَسْجِدَ لِيَحْمَدُوهُ، وَيُثْنُوا عَلَيْهِ خَيْرًا، فَهَذَا رِيَاءٌ وَلَيْسَ بِمَحْمُودٍ، وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ حَيَاؤُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْحَقِيقَةِ فَيَخْشَى أَنَّهُ إِنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ كَانَ مِنْ عَاجِلِ عُقُوبَةِ اللهِ إِيَّاهُ أَنْ يَبْسُطَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ أَلْسِنَتَهُمْ بِالذَّمِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا كَانَ مِنْ عَاجِلِ مَا يُثِيبُهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ أَنْ يُطْلِقَ الْمُسْلِمُونَ أَلْسِنَتَهُمْ فِيهِ بِالْمَدْحِ، فَيَكُونُ خَوْفُهُ ذَمَّ النَّاسِ وَحُبُّهُ مَدْحَهُمْ مُتَعَلِّقًا بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا بِغَيْرِهِ، فَهَذَا مَحْمُودٌ، وَيَسْتَحِي الْوَلَدُ مِنَ الْوَالِدِ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا، والْجَاهِلُ مِنَ الْعَالِمِ، وَالصَّغِيرُ مِنَ الْكَبِيرِ، وَالْوَاحِدُ مِنَ الْجَمَاعَةِ، فَيُرِيدُ الْأَدْوَنُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى غَيْرِ الْأَكْمَلِ عَمَلًا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ يَحِقُّ مِثْلُهُ لِلْأَكْمَلِ، فَيَخَافُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يَذُمَّهُ فَيَدَعَهُ، فَذَاكَ اسْتِحْيَاؤُهُ، وَهَذَا أَيْضًا مَحْمُودٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ النَّاقِصِ حَقَّ الْكَامِلِ وإِذْعَانَهُ لَهُمْ لِأَجْلِ الْفَضْلِ الَّذِي يَعْلَمُهُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ "