شعب الايمان (صفحة 6817)

6276 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ بُنْدَارٍ الزِّنْجَانِيُّ، بِبَغْدَادَ، أَنَا -[70]- أَبُو عَبْدِ اللهِ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْفَضْلُ الْهَاشِمِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ السَّامِرِيُّ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأطروشِ، قَالَ: كَانَ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ عَلَى الدَّجْلَةِ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ مَرَّ بِهَا أَقْوَامٌ أَحْدَاثٌ فِي زورقٍ يُغَنُّونَ وَيَضْرِبُونَ بِالدُّفِّ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا مَحْفُوظٍ، أَمَا تَرَى هَؤُلَاءِ فِي هَذَا الْبَحْرِ يَعْصُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ: ادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: " إِلَهِي وَسَيِّدِي، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُفَرِّحَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا فَرَّحْتَهُمْ فِي الدُّنْيَا "، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ نَسْأَلْكَ أَنْ تَدْعُوَ لَهُمْ، قَالَ: " إِذَا فَرَّحَهُمْ فِي الْآخِرَةِ تَابَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ يَضُرَّكُمْ شَيْءٌ " قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ، وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ، وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ، وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12]، إِلَى قَوْلِهِ: {لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] " فَاشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ، وَتَحْرِيمِ اللَّمْزِ وَهُوَ الْغِيبَةُ وَالْوَقِيعَةُ، وَمَعْنَى {لَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: 11]: أَيْ لَا يَلْمِزْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَتَحْرِيمُ التَّنَابُرِ بِالْأَلْقَابِ هُوَ أَنْ يَدَعَ الْوَاحِدُ أَنْ يَدْعُوَ صَاحِبَهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ أَبُوهُ، وَيَضَعَ لَهُ لَقَبًا يُرِيدُ أَنْ يُشِينَهُ بِهِ أَوْ يَسْتِذِلَّهُ فَيَدَعُوَهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات: 11]، فَأَبَانَ أَنَّ فِعْلَ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ فُسُوقٌ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ يُوجِبُ مُوَاصَلَةَ أَقْدَارِهِ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْهُ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]: -[71]- أَيْ هُمُ الظَّالِمُونَ أَنْفُسُهُمْ بِسَوْقِهَا إِلَى النَّارِ، وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، ثُمَّ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] فَأَرَادَ أَنَّ ظَنَّ الْقَبِيحِ بِالْمُسْلِمِ كَهَمْزِهِ، وَلَمْزِهِ وَالسُّخْرِيَةُ وَالْهُزْءُ بِهِ نَهَى عَنْهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِثْمٌ وَنَهَى عَنْهُ وَعَنِ التَّجَسُّسِ، وَهُوَ تَتَبُّعُ أَحْوَالِهِ فِي خَلَوَاتِهِ وَجَوْفِ دَارِهِ وَالتَّعَرُّفِ لَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ إِذَا بَلَغَهُ سَاءَهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ فَكَانَ التَّعَرُّضُ لَهُ مِنْ بَابِ الْأَذَى الَّذِي لَا مُوجِبَ لَهُ، وَلَا مُرَخِّصَ فِيهِ. وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ، قَالَ: ثُمَّ نَهَى عَنِ الْغِيبَةِ، فَقَالَ: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12]: أَيْ لَا يَذْكُرُهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ بِمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَسَمِعَهُ يَشُقَّ عَلَيْهِ وَشَبَّهَ الِاغْتِيَابَ بِأَكْلِ لَحْمِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَشْعُرُ بِأَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهُ كَمَا لَا يَشْعُرُ الْغَائِبُ بِأَنْ يُسْلَبَ عِرْضُهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُصَاحِبَ مُسْلِمًا، وَلَا أَنْ يُغَلِّظَ لَهُ قَوْلًا وَلَا أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمُسَاءَتَهِ، وَلَا أَنْ يَبْهَتَهُ وَرُوِيَ فِيهِ أَحَادِيثُ وَنَحْنُ نَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ عَلَى مَا حَضَرَنَا مِنْ ذَلِكَ وَزِيَادَةٌ لَائِقَةٌ بِهِ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015