شعب الايمان (صفحة 6715)

الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ

وَهُوَ بَابٌ فِي الْحَثِّ عَلَى تَرْكِ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ

قَالَ: وَالْحَسَدُ: الِاغْتِمَامُ بِالنِّعْمَةِ يَرَاهَا لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَالتَّمِنِّي لِزَوَالِهَا عَنْهُ، ثُمَّ قَدْ يَتَمَنَّى مَعَ هَذَا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ النِّعْمَةُ لَهُ دُونَهُ وِالْغِلُّ إِضْمَارُ السُّوءِ، وَإِرَادَةُ الشَّرِّ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا مِنْ جِهَتِهِ وَقَدْ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعُوذَ بِهِ مِنْ شَرِّ الْحَاسِدِ، فَقَالَ: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5] وَذَمَّ الْيَهُودَ عَلَى حَسَدِهِمِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54]، فَالْحَسَدُ مَذْمُومٌ، وَالْحَاسِدُ غَيْرُ الْغَابِطِ؛ لِأَنَّ الْحَاسِدَ مَنْ لَا يُحِبُّ الْخَيْرَ لِغَيْرِهِ وَيَتَمَنَّى زَوَالَهُ عَنْهُ، وَالْغَابِطُ مَنْ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ مِثْلَ مَا لِغَيْرِهِ، وَالْحَاسِدُ يَعْتَبِرُ إِحْسَانَ اللهِ تَعَالَى إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ إِسِاءَةً إِلَيْهِ، وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ لَأَنَّ الْإِحْسَانَ الْوَاقِعَ بِمَكَانِ أَخِيهِ لَا يَضُرُّهُ شَيْئًا، فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللهِ وَاسِعٌ وَقَدْ يَكُونُ الْحَاسِدُ مُتَسِخِّطًا لِقَضَاءِ اللهِ، وَذَلِكَ يُدْنِيهِ مِنَ الْكُفْرِ لَوْلَا أَنَّهُ مَا دَلَّ فَيَقُولُ: إِنَّمَا أَكْرَهُ الْغَمَّ الَّذِي بِي فِيمَا آتَاهُ اللهُ لَا الْقَضَاءَ نَفْسَهُ

وَالَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا فَهُوَ يُعَلِّمُهُ النَّاسَ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْغَيْظَ فَسَمَّاهُ حَسَدًا لِأَنَّهُ يُعْرَبُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ -[6]-

[وحكى صاحب الغريب عن ثعلب أنه قال: في هذا الحديث "لا حسد" أي لا حسد لا يضر إلا في اثنتين]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015