وَفِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف: 46] قَالَ: " يَعْرِفُونَ أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ وَأَهْلَ الْجَنَّةِ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ "، قَالَ: " وَالْأَعْرَافُ هُوَ السُّورُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ "، وَقَوْلُهُ: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف: 46] قَالَ: " هُمْ رِجَالٌ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ عِظَامٌ، وَكَانَ جَسِيمُ أَمْرِهِمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَقُومُونَ عَلَى الْأَعْرَافِ، فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى الْجَنَّةِ طَمِعُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى النَّارِ تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْهَا فَأَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ "، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ} [الأعراف: 49] " يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ ": {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ، وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف: 49]
376 - " أَخْبَرَنَاهُ أَبُو زَكَرِيَّا قَالَ: أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَرُوِّينَا فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَصْحَابِ -[588]- الْأَعْرَافِ فَقَالَ: قَوْمٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ فَمَنَعَتْهُمْ الْجَنَّةَ مَعْصِيَتُهُمْ آبَاءَهُمْ، وَمَنَعَهُمْ مِنَ النَّارِ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ، وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف: 48] فَهَذَا قَوْلُهُمْ، وَهُمْ عَلَى السُّورِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ لِرِجَالٍ مِنَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ يَنْظُرُونَ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَرَوْنَ فِيهَا الضُّعَفَاءَ، وَالْمَسَاكِينَ مِمَّنْ كَانَ يَسْتَهْزِئُ بِهِمُ الْكُفَّارُ فِي الدُّنْيَا فَيُنَادُونَهُمْ يَعْنِي فَيُنَادُونَ الْكُفَّارَ، أَهَؤُلَاءِ يَعْنِي الضُّعَفَاءَ، وَالْمَسَاكِينَ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ يَعْنِي إِذْ أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا لَا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ يَعْنِي الْجَنَّةَ، وَيَقُولُ اللهُ لِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ، وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف: 49] هَكَذَا فَسَّرَهُ الْكَلْبِيُّ فِيمَا رَوَاهُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: " هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ لِرِجَالٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ، وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ، فَأَقْسَمَ أَهْلُ النَّارِ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ دَاخِلُونَ النَّارَ مَعَهُمْ، فَقَالَتِ: الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ حَبَسُوا أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ عَلَى الصِّرَاطِ أَهَؤُلَاءِ يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ يَا أَهْلَ النَّارِ، أنهم لَا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ، وَهُمْ دَاخِلُونَ النَّارَ مَعَكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ، وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ بِالْمَوْتِ " " وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِمَا رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمْرُ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرُهُ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ وَافَى الْقِيَامَةَ مُؤْمِنًا وَلِسَيِّئَاتِهِ وَزْنٌ فِي مِيزَانِهِ، وَهُوَ بَيْنَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْذِيبٍ وَبَيْنَ أَنْ يُعَذَّبَ -[589]- بِقَدْرِ ذُنُوبِهِ، ثُمَّ يُغْفَرُ لَهُ فَقَدْ يَكُونُ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فِي الْحَالِ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ وَلَكِنْ يُحْبَسُ عَلَى الْأَعْرَافِ وَهُوَ السُّورُ " قَالَ مُقَاتِلٌ: " عَلَى الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ اللهُ دُخُولَهُمُ الْجَنَّةَ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِهَا بِرَحْمَتِهِ وَبِشَفَاعَةِ الشُّفَعَاءِ " وَاللهُ أَعْلَمُ