بِإِخْرِاجِهِمْ مِنْهَا إِلَى الْجَنَّةِ إِمَّا بِشَفَاعَةٍ، وَإِمَّا بِغَيْرِ شَفَاعَةٍ، وَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ إِلَّا الْكُفَّارُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً، وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة: 81] الآية وَأَخْبَرَ أَنَّ التَّخْلِيدَ فِي النَّارِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَالْمُؤْمِنُ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ، أَوِ الْكَبَائِرِ لَمْ تَحُطْ بِهِ خَطِيئَتُهُ لِأَنَّ رَأْسَ الْخَطَايَا هُوَ الْكُفْرُ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ مِنْهُ فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 82] فَوُعِدَ الْجَنَّةَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَفُرُوعِهِ، وَصَاحِبُ الْكَبِيرَةِ أَوِ الْكَبَائِرِ تَارِكُ الصَّالِحَاتِ فَصَحَّ أَنَّ وَعْدَ الْجَنَّةِ لَيْسَ لَهُ قِيلَ لَهُ: الْمُتَعَاطِي لَهَا إِذَا تَابَ مِنْهَا وَوَافَى الْقِيَامَةَ تَائِبًا تَارِكًا لِلصَّالِحَاتِ غَيْرَ جَامِعٍ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَفُرُوعِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَتَوْبَتُهُ ما تَقُومُ مَقَامَ مَا تَرَكَ مِنَ الصَّالِحَاتِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ نَازِعًا، عَنِ الشَّرِّ أَبَدًا، فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَقْتًا، ثُمَّ نَزَعَ عَنْهُ وَقْتًا كَانَ بِذَلِكَ للْفَرْضِ مُبعَّضًا وَبَعْضُ الْفَرْضِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ جَمِيعِهِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَمُنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى التَّائِبِ فَيُكَفِّرُ بِتَوْبَتِهِ خَطَايَاهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمُنَّ عَلَى الْمُصِرِّ فَيُكَفِّرُ بِإِيمَانِهِ الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ الْحَسَنَاتِ خَطَايَاهُ، وَيُكَفِّرُ بِصَلَوَاتِهِ وَمَا يَأْتِي بِهِ الْحَسَنَاتِ مَا فَرَّطَ مِنْهُ مُدَّةً مِنْ سَيِّئَاتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] ذَلِكَ، وَإِنَّمَا افْتَرَقَا فِي أَنَّ التَّائِبَ مَغْفُورٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْذِيبٍ، وَالْمُصِرَّ قَدْ يُعَذَّبُ بِذَنْبِهِ مُدَّةً، ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِأَنَّ خَبَرَ الصَّادِقِ بِذَلِكَ وَرَدَ، وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَضَ فِي خَبَرِ اللهِ خُلْفٌ، وَبِذَلِكَ وَرَدَتِ السُّنَّةُ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "