مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، نَسُوا الْجُوعَ وَالْعَطَشَ، وَغَفَلُوا عَنْ شِدَّتِهِما، وَبِحَسْبِ ذَلِكَ يَجْهَلُونَ مَوْقِعَ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِمْ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَيَغْفَلُونَ عَنْ شُكْرِها فَفَرَضَ الله عَلَيْهِمْ الصَّوْمَ مُدَّةً مِنَ الْمُدَدِ، لِيَسْتَشْعِرُوا أَنَّ التَّمَكن مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يَقَعُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، ولَكِنْ يَحْتَاجُ مَعَ الْوجُودِ إِلَى إِطْلَاقِ الْمَوْلَى وَإِبَاحَتِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أُطُرًا لِإِيمَانِهِمْ ثُمَّ يَكُفُّوا عَنْهُمَا لِوَجْهِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عِبَادَةً لَهُمْ، ثُمَّ يَجِدُوا خِلَالَ الْكَفِّ تَوَقَانًا إِلَيْهِمَا، وَيَصْبِرُوا فَيَكُونُ ذَلِكَ إذِّكَارًا بِقَدْرِ النِّعْمَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ طُوَالَ الدَّهْرِ بالْإِطْلَاقِ وَالْإِباحَةِ، حَتَّى إِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِمْ شَكَرُوها وَأَدُّوا حَقَّهَا، وَهَذَا لَاشَكَّ أنه مِنْ أَبْوَابِ التَّقْوَى، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قِيلَ فِي الْأَمْرَاضِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرَ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الْبُخْلَ، وَإِهْمالِ الْمُحْتاجِينَ، وَالتَّغافُلِ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ أَمْرَانِ جُبِلَ النَّاسُ عَلَيْهِمَا، وَفِيهِمْ أَغْنِيَاءُ، وَضُعَفاءُ، فَإِذَا اسْتَمْرَ للْأَغْنِيَاءُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ فهؤلاء لَمْ يَدْرُوا مَا الْجُوعِ، فَفَرَضَ عَلَيْهِمُ الصِّيَامَ مُدَّةً، حَتَّى إِذَا أَحَسُّوا مِنْ تَأَخُّرِ الطَّعَامِ عَنْهُمْ بِالْيَسِيرِ مِنَ الْجَهْدِ، تَذَكَّرُوا بِذَلِكَ حَالَ مَنْ يَطْوِي يَوْمًا بِلَيْلَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لَا صَائِمًا، وَلَا طَاعِمًا لِشِدَّةِ فَقْرِهِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِعَطْفِهِمْ عَلَى الضُّعَفَاءِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَشُكْرِهِمْ نِعْمَةَ اللهِ عِنْدَهُمْ، وَلَاشَكَّ أَنَّ الْمُوَاسَاةَ وَالْإِحْسَانَ مِنَ أبواب التَّقْوَى "