شعب الايمان (صفحة 263)

188 - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، أخبرنا شَرِيكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَاصِمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتَّبَعْتُهُ فَانْتَهَى إِلَى الْمَقَابِرِ، فَقَالَ: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دِيَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَنْتُمْ فَرَطٌ لَنَا "، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: " وَيْحَهَا لَوِ اسْتَطَاعَتْ مَا فَعَلْتُ وَمَا اسْتَطَاعَت " " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا فِي الِاسْتِطَاعَةِ، لِأَنَّهُ نَفَى عَنْهَا الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْمُكْثِ دُونَ الِاتِّبَاعِ، فَإِنْ قِيلَ: يَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ كَلَّفَ الْعَبْدَ مَا لَا يُطِيقُهُ، إِلَّا بِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ وَلِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ عِبَادَهُ أَنْ يَقُولُوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وَلَا تَكُونُ عِبَادَةُ الْعَبْدِ، إِلَّا بِمَعُونَةِ الرَّبِّ، وَقَوْلُهُ: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَمَعْنَاهُ إِلَّا مَا يَحِلُّ لَهَا، أَوْ لَا تَعْجَزُ عَنْ فِعْلِهِ بِزَمَانِهِ، أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ أَرَادَ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا مُؤْمِنَةً، إِلَّا وُسْعَهَا لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْعَفْوِ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ بِحَدِيثِ النَّفْسِ، وَقَدْ قَالَ فِيمَا عَلِمْنَا: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]-[370]- وَلَوْلَا جَوَازُ ذَلِكَ لَمَا عَلِمْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَإِذَا جَازَ تَكْلِيفُ مَا قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَقَدْ جَازَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُوَفَّقُ لَهُ، وَلَا يُعَانُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: أَفَتَقُولُونَ: إِنَّ فِي مَقْدُورِ اللهِ لُطْفًا لَوْ فَعَلَهُ بِالْكَافِرِ لَآمَنَ؟ قِيلَ: نَعَمْ وَذَلِكَ اللُّطْفُ هُوَ الْقُدْرَةُ الَّتِي بِهَا يَفْعَلُ الطَّاعَةَ، وَهُوَ ضِدُّ مَا فَعَلَهُ بِالْكَافِرِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] قَالَ: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93]، وَقَالَ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ وَكَذَلِكَ الْأَخْبَارُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى اللهِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَفَضِّلٌ فِي فِعْلِهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْكَافِرِ فِي النَّظَرِ بَطَلَ قَوْلُهُ بِنَفَسَيْنِ أَمَاتَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَأَمَاتَ الْآخَرَ بَالِغًا كَافِرًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَ كَانَ كَافِرًا، وَنَفْسَيْنِ أَمَاتَ أَحَدَهُمَا مُؤْمِنًا، وَأَبْقَى الْآخَرَ سَنَةً أُخْرَى حَتَّى كَفَرَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَكْفُرُ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَكْثُرُ "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015