في سجن الألوف من السراق لشهور وسنوات تعطيلًا لهم، يضاف إلى ذلك أن السجن يشكل ـ في كثير من الحالات ـ مدرسة ممتازة لتعليم الإجرام، وربط العلاقات بين المجرمين، فهاتان مفسدتان لا بد من وضعهما في الميزان.
فهل إذا نظرنا إلى المسألة من مختلف وجوهها المصلحية يبقى مجال للظن بأن حد السرقة لم يعد ملائمًا للمصلحة ولظروفنا الحالية؟
والرحمة تختلف من فهم إلى فهم، والعلمانيون الذين يرفضون الحد بدعوى الرحمة يقدمون مصلحة الفرد على مصلحة المجتمع، وينظرون إلى حال شخص ويغفلون عن حال أمة.
إن الطبيب قد يلجأ إلى قطع بعض الأعضاء المريضة في الجسم حتى يسلم الجسم كله من المرض، والقطع فيه قسوة، ولكنه يُفعل رحمة بالجسم، والأب يضرب ولده تأديبًا وفي ضربه نوع قسوة، ولكنه يضربه رحمة به لكي يُقوِّم اعوجاجه، وفي الحياة أمثلة كثيرة لذلك كلها يستفاد منها أن الضرر الأشد والأعم يزال بالضرر الأخف والأخص، ويُختار دائمًا أهون الشرين، ومثل ذلك حد السرقة يتضرر الفرد ـ بما جنت يداه ـ رحمة بالمجموع.