وَمن تَمام محبَّة الله محبَّة مَا يُحِبهُ وَكَرَاهَة مَا يكرههُ. فَمن أحب شَيْئا مِمَّا يكرههُ الله أَو كره شَيْئا مِمَّا يُحِبهُ الله لم يكمل توحيده وَصدقه فِي قَول لَا إِلَه إِلَّا الله، وَكَانَ فِيهِ من الشّرك بِحَسب مَا كرهه مِمَّا يُحِبهُ الله، وَمَا أحبه مِمَّا يكرههُ الله. وَلذَلِك ذمّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَؤُلَاءِ فَقَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 1 وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 2 3.
وَفِي صَحِيح الْحَاكِم عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "الشّرك فِي هَذِه الْأمة أخْفى من دَبِيب النَّمْل على الصَّفَا فِي اللَّيْلَة الظلماء وَأَدْنَاهُ أَن تحب على شَيْء من الْجور أَو تبغض على شَيْء من الْعدْل ... " الحَدِيث 4. قَالَ ابْن رَجَب - بعد سِيَاقه هَذَا الحَدِيث - "وَهَذَا نَص فِي أَن محبَّة مَا يكرههُ الله وبغض مَا يُحِبهُ مُتَابعَة للهوى، والموالاة على ذَلِك والمعاداة فِيهِ من الشّرك الْخَفي" 5.
وعلامة حب العَبْد ربه تَقْدِيم محابه وَإِن خَالَفت هَوَاهُ، وبغض مَا يبغض ربه وَإِن مَال إِلَيْهِ هَوَاهُ، وموالاة من والى الله وَرَسُوله ومعاداة من عَادَاهُ، وَاتِّبَاع سنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتقديمها على غَيرهَا من السّنَن 6.
وَمن الْمَعْلُوم أَن الْجَوَارِح تعْمل - فِي الْغَالِب - بِمُقْتَضى الْحبّ والبغض، يَدْفَعهَا حب الشَّيْء إِلَى عمله وبغض الشَّيْء إِلَى تَركه وَلذَا إِذا تمكنت محبَّة الله تَعَالَى فِي الْقلب لم تنبعث الْجَوَارِح إِلَّا إِلَى طَاعَته عز وَجل وَهَذَا - كَمَا قَالَ ابْن رَجَب 7 - هُوَ معنى الحَدِيث الإلهي الَّذِي خرّجه البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة