25- أبنا [.. ..] (?) ومن لا أحصي ممن حضر أمر أمير المؤمنين المتوكل على الله في النصارى, قالوا:

كان أول يوم أمر فيه بما أمر به فيهم يوم السبت, لثلاث عشرة خلت من شهر ربيع الأول, سنة خمس وثلاثين ومائتين, أنه أمر أن يغير النصارى وجميع أهل الذمة لباسهم فيلبسون الطيالسة العسلية, وأن لا يفارق أحداً منهم الزنانير, وأن يكون ركب سروجهم من خشب, وأن يجعل على قربوس السرج ومؤخرته أكرتان, ومن لبس منهم قلنسوة جعل في قلنسوته زراً كبيراً يخالف لونه لون القلنسوة, ومن لبس منهم العمائم كانت عمامته عسلية, أو ما أشبه ذلك بعد أن يكون مصبوغاً. وأمر أن يجعل لعبيدهم رقاعاً في ثيابهم من بين يديه دون صدره قليلاً, ومن خلفه في ظهره, وتكون الرقاع مدورة كقوارة الحربان, وتكون ملونة لوناً يخالف لون الثوب, إن كانت الرقعة عسلية, وإلا فما أشبهها.

وأمر أن يعمل على أبوابهم تماثيل شياطين من خشب, تسمر على أبوابهم, تعرف بها منازل الذمة من منازل المسلمين, ولا تخرج امرأة من نسائهم إلا في إزار عسلي. وأمر بأخذ عشور منازلهم, فإن كان ما يؤخذ من منزل أحدهم واسعاً بني مسجد, وإن كان ضيقاً جعل فضاء. وأمر أن لا يستعان بهم في شيء من أعمال السلطان التي يجري أمرهم فيها على المسلمين, ولا في ديوان من الدواوين. وأمر أن لا يطلق لهم أن يظهروا في -[35]- شيء من أعيادهم صليباً (ولا يستعملون) . وأمر أن يؤخذوا بتسوية قبورهم مع الأرض حتى لا تشبه قبور المسلمين, وهدمت كل بيعة لهم محدثة.

وكتب إلى العمال في آفاق الأرض يؤمرون فيهم بمثل ذلك.

وهذه نسخة الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد:

فإن الله بعزته التي لا تحاول, وقدرته على ما يريد, اصطفى الإسلام فرضيه لنفسه, وأكرم به ملائكته, وبعث به رسله, وأيده بأوليائه, وحاطه بالنصر, وكنفه بالبر, وحرسه من العاهات, وأظهره على الأديان, وجعله مبرأً من الشبهات, معصوماً من الآفات, محبواً بمناقب الخيرات, مخصوصاً من الشرائع بأطهرها وأفضلها, ومن الفرائض بأزكاها وأشرفها, ومن الأحكام بأعدلها وأصوبها, ومن الأعمال بأحسنها وأقصدها, وأكرم أهله بما أحل لهم من حلاله وحرم عليهم من حرامه, وبين لهم من شرائعه وأعلامه, وحد لهم من حدوده ومنهاجه, وأعد لهم من سعة جزائه وثوابه, فقال في كتابه فيما أمر به ونهى, وفيما حضر عليه ووعظ عباده به: {إن الله يأمر بالعدل والإحسن.. ..} الآية.

وقال جل ثناؤه فيما حرم على أهل هذا الدين, مما غمط فيه الأديان من ذي المطعم والمشرب والمنكح؛ ليستن به أهل الإسلام وليفضلهم على -[36]- من خالف دينهم تفضيلاً: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة} إلى قوله: {ذلكم فسقٌ} . ثم ختم ما حرم عليهم من ذلك في هذه الآية بحراسة دينه, وبإتمام نعمته على أهله الذين اصطفاهم به, فقال: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} . وقال: {حرمت عليكم أمهتكم وبناتكم} إلى آخر الآية. وقال: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلم رجسٌ} إلى آخر الآية.

فحرم سبحانه على المسلمين مما أكل أهل الأديان أرجسها وأنجسها: {وما أهل لغير الله به} منها, ومن أشربتهم أدعاها إلى العداوة والبغضاء وأصدها عن ذكر الله وعن الصلاة, وعن مناكحة أعظمها عنده وزراً, وأولاها عند ذي الحجا والألباب تحريماً. ثم حباهم لمحاسن الأخلاق وفضائل الكرامات, فجعلهم أهل الإيمان والأمانة والفضل والتراحم واليقين والصدق, ولم يجعل في دينهم التقاطع ولا التدابر ولا الحمية, ولا التكبر ولا الخيانة ولا الغدر ولا التباغي ولا التظالم, بل أكرم بالأولى ونهى عن الآخرة, ووعد وتوعد عليهما جنته وناره وثوابه وعقابه؛ فالمسلمون -بما اختصهم الله من كرامته, وجعل لهم من الفضيلة بدينهم الذي اختارهم له- بائنون عن أهل -[37]- الأديان بشرائعهم الزاكية وأحكامهم المرضية وفرائضهم الظاهرة وبرهانهم المبين, وبتطهير الله دينهم لهم بما أحل وحرم فيه لهم وعليهم -قضى أمر الله في إعزاز دينه حتماً ومشيئةً منه في إظهار حقه ماضية, وإرادة له في إتمام نعمته على أهله نافذة؛ ليهلك من هلك عن بينة, ويحيى من حي عن بينة, وليجعل الله الفوز والعاقبة للمتقين والخزي في الدنيا والآخرة على الكافرين.

وقد رأى أمير المؤمنين, وبالله توفيقه وإرشاده, أن يجعل أهل الذمة جميعاً بحضرته, وفي نواحي أعماله أقربها وأبعدها, وأخصهم وأخسهم على تغيير طيالستهم التي يلبسها من لبسها من تجارهم وكتابهم وكبيرهم وصغيرهم, ملونة كألوان الثياب العسلية, لا يتجاوز ذلك متجاوزٌ منهم إلى غيره, ومن قصر عن هذه الطبقة من أتباعهم وأراذلهم, ومن تبعد به حاله عن لبس الطيالسة, أخذ بتركيب خرقتين صبغهما ذلك الصبغ. يكون استدارة كل واحدة منهما شبراً تاماً في مثله, على موضع أمام ثوبه الذي يلبسه تلقاء صدره, ومن وراء ظهره, وأن يؤخذ الجميع منهم في قلانسهم تركيب أزرة عليها, تخالف ألوانها ألوان القلانس, وترفع في أماكنها التي تقع بها منها لئلا يلصق بها فتستتر, ولا يكون ما يركب منها على اختيال فيخفى, وكذلك في سروجهم اتخاذ ركب خشب لها, ونصب أكر على قرابيسها تكون ناتئة عنها وموفية عليها, لا يرخص لهم في إزالتها عن أعلى قرابيسهم -[38]- ومواخير سروجهم إلى جوانبها, بل يتفقد ذلك منهم؛ ليقع ما وقع أمر الذي أمر أمير المؤمنين بحملهم عليه ظاهراً, يثبته الناظر من غير تأمل, وتأخذه الأعين عن غير طلب.

وأن يؤخذ من إمائهم وعبيدهم من يلبس المناطق من تلك الطبقة بشد الزنانير مكان المناطق التي كانت في أوساطهم.

وأن توعز إلى عمالك فيما أمر به أمير المؤمنين من ذلك, إيعازاً تحدوهم به على استقصاء ما تقدم فيه إليهم, وتحذرهم به ادهاناً أو ميلاً, وتتقدم إليهم في إنزال العقوبة بمن خالف ذلك من جميع أهل الذمة إلى غيره؛ ليقتصر الجميع منهم على طبقاتهم وأصنافهم, وسلوك السبيل إلى أمير المؤمنين يحملهم عليها, فأخذهم بها إن شاء الله تعالى, فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين وأمره, وأنفذه إلى عمالك في نواحي عملك ما ورد عليك من كتاب أمير المؤمنين فيه, وقدم العناية بما يكون منهم في ذلك, واكتب إلى أمير المؤمنين ما تعمل به ليعرفه إن شاء الله تعالى.

وأمير المؤمنين يسأل ربه ووليه أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وملائكته, وأن يحفظه فيما استخلفه عليه من أمر دينه, ويتولى ما ولاه مما لا يبلغ حقه فيه إلا بعونه, حفظاً يحمل به عنه ما حمل, وولايةً يقضي بها عنه حقه, ويوجب له بها أكمل ثوابه وأفضل مزيده؛ إنه كريمٌ رحيم.

وكتب إبراهيم بن العباس في شوال سنة خمس وثلاثين ومائتين.

-[39]-

وهذه نسخة التوقيع إلى ولاة العهود في ترك الاستعانة بالنصارى.

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد:

فإن الله اصطفى الإسلام وأظهره, وجعله ديناً قيماً عزيزاً منيعاً, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وارتضى للقيام بشرائعه وإحياء معالمه وسننه خلفاءه في أرضه وأمناءه على عباده, فاختارهم من خير أمة أخرجت للناس, وأعلى دعوتهم ومكن لهم في أرضه, وأظهر دينهم على كل دين ولو كره المشركون, ولم يجعل بهم ولا بأحد ممن قلده بسلسلة خلقه حاجةً ولا ضرورة إلى أحد من أهل الملل المخالفة للإسلام في شيء من أمور دينهم ودنياهم, بل حصل الحق والحزم في إقصائهم عن الأعمال وإبعادهم عن الاستيطان؛ إذ كان مقصد السلطان في الاختيار لأعماله أهل النصح والأمانة, وكانت الحالتان جميعاً معدومتين عند أهل الذمة.

فأما الأمانة: فليس أحدٌ منهم بمأمون على أموال الفيء وأمور المسلمين؛ لأنهم عداة الدين ونعاته. وأما النصيحة: فغير موجودة عند من كان مقامه بين ظهراني المسلمين على كل حال كره وقهر وذلة وصغار.

وقد نهى الله عز وجل في محكم كتابه عن موالاتهم, فقال: {يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً} الآية. وقال: {يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصرى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} . وقال وقوله الحق: {يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكفرين أولياء من -[40]- دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطناً مبيناً} . مع آي كثير, وأخبار مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صالحي السلف, فيما نهي عنه من الاستعانة في شيء من أعمال المسلمين.

وأمير المؤمنين أولى من ائتم بها, وبالله توفيقه, وعليه توكله, وهو حسبه ونعم الوكيل.

وقد رأى أمير المؤمنين -إذ كان في الاستعانة بأهل الذمة في أعمال المسلمين وأمورهم ضررٌ على أموال الفيء, فيما يعيثون فيه منها, وتطلق أيديهم فيما هم مستحلون خيانته واحتجابه من حقوقها وتقليدهم من جنايتها ما اختانوه منهم أوجب, مما عليهم من الجزية التي أمر الله بأخذها منهم عن يد وهم صاغرون, وعلى المسلمين فيما تبسط به ألسنتهم وأيديهم من امتهانهم واستذلالهم وتخوينهم, وما أوجب الله على أمير المؤمنين من تعظيم الدين وحياطته وصيانته, وإحياء كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعزاز الإسلام والملة -أن لا يستعان بأحد من أهل الذمة في شيء من أمور المسلمين, وأموالهم, وتدبير خراجهم, وجبايته منهم في دواوين العامة والخاصة بالحضرة والنواحي, وفي سائر أعمال الخراج والضياع؛ من الخزن, والجهبذة, والمعادن, والبريد, وسائر الأعمال الحاضرة والقاصية, خلا من كان متقلداً العمل من خاص أعمال أمير المؤمنين ونفقاته, ولا يد له ولا سلطان على أحد من المسلمين؛ فإن إقراره في ذلك العمل ريثما يؤخذ بما جرى على يده ويختار لمكانه غيره من المسلمين, ثم -[41]- يصرف عنه, وخلا من استعان به مستعينٌ في قهرمته, وخاص نفقات منزله وحشمه, وأن يوعز بذلك إلى ولاة الدواوين, وتخرج به الكتب إلى جميع عمال العامة والخاصة في النواحي ليمتثلوه ويقفوا عنده, ويؤمر أصحاب البرد والأخبار بتفقد ما يكون من الكتاب والعمال وعمالهم وأهل الذمة في ذلك, والكتاب إلى أمير المؤمنين وصدقه عنه, فمن خالف أمره أنزل به ما يتعظ به من سواه, وأن يحذروا جميعاً التورية عن أحد من أهل الذمة بتقليده عملاً ونسبه إلى غيره, فينال من يفعل ذلك مما أحل بنفسه من نكير أمير المؤمنين وغيره ما لا صلاح له بعده, ولا قبل له به إن شاء الله.

وكتب نجاح بن سلمة يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من شوال سنة خمس وثلاثين ومائتين.

تم كتاب الشروط, ولله الحمد والمنة, وصلواته على سيد المرسلين محمد خاتم النبيين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015