Zليس بمشتق منه وإلا لزم اشتقاق الشيء من نفسه، وكلامنا في الأصالة في الاشتقاق ولا محذور في أن يكون الشيء متقدما على شيء في الاشتقاق، وأصلا له فيه، ومتأخرا عنه في الإعلال، وفرعا عليه فيه للمشاكلة، كما أن الاسم أصل في الإعراب للفعل وفرع عليه في العمل كما يجيء إن شاء الله تعالى، "و" قلنا في الجواب عن متمسكهم الثالث "قولهم مشرب عذب ومركب فاره" ليس بحقيقة في معنى المشروب والمركوب اتفاقا بأن وضع لفظ المشرب بمعنى المشروب ولفظ المركب بمعنى المركوب فيكون لفظ المشرب مراد، فاللفظ المشروب ولفظ المركب مراد، فاللفظ المركوب حتى يكون لفظ المصدر أيضا حقيقة في معنى المصدور ومراد فاللفظ المصدور به بل يكون ذلك "من باب جرى النهر وسال الميزاب" فكما أن هذا من المجاز إما من المجاز اللغوي بأن أطلق اسم المحل الذي هو النهر والميزاب على الحال الذي هو الماء؛ لأن الجاري والسائل هو الماء لا النهر والميزاب، أو من المجاز العقلي بأن أريد بالنهر والميزاب معناهما الحقيقي وأسند إليهما الجريان والسيلان مجازا لملابستهما لما هما له أعني الماء، كذلك قولهم مشرب عذب ومركب فاره من المجاز أيضا ما في المفرد بأن يطلق اسم المحل الذي هو المشرب والمركب على الحال الذي هو الماء والفرس، وإما في النسبة بأن يراد بالمشرب والمركب معناهما الحقيقي وينسب إليهما العذوبة والفراهة مجازا لملابستهما لما هما له أعني الماء والفرس. وحاصل الجواب أن قياسهم لفظ المصدر على لفظ المشرب والمركب فاسد، أما على تقدير كون المجاز في النسبة فلأن المشرب والمركب حينئذ على معناهما الحقيقي الذي هو محل الشرب محل الركوب فيكون معنى لفظ المصدر قياسا عليهما محل الصدور وهو عليهم لا لهم، وأما على تقدير كون المجاز في المفرد فلأنه لا يلزم من كون اللفظ مستعملا في معنى مجازي على سبيل القطع كون لفظ آخر موازنا له مستعملا في مثل ذلك المعنى على سبيل القطع، بل غايته أن يحتمل استعماله فيه فبمجرد احتمال أن يكون لفظ المصدر مستعملا في معنى المصدور به مجازا مع قيام احتمال أن لا يكون مستعملا فيه، بل مستعملا في معناه الحقيقي الذي هو محل الصدور مع أن الحقيقة أصل والمجاز خلافه لا حجة فيه للكوفيين على أن تشبيه كون المصدر بمعنى المصدور به يكون المشرب بمعنى المشروب والمركوب تشبيه بغير جامع؛ إذ المشرب على المشروب والمركب على المركوب والمصدر لازم فلا يمكن أن يذكر لفظ المصدر ويراد به المصدور به؛ إذ لا دلالة للمصدر على المصدور به على الصادر ولذلك تكلفوا وقالوا في الاستدلال على أصالة الفعل أن المصدر مفعل بمعنى المصدر، أي الصدور نحو قعدت مقعدا حسنا أي قعودا، والمصدر الذي هو لفظ المصدر بمعنى الفاعل أي صادر عن الفاعل كالعدل بمعنى العادل، واستدلوا أيضا بعمل الفعل في المصدر نحو قعدت قعودا والعامل قبل المعمول وهو مغالطة؛ لأنه قبله بمعنى أن الأصل في وقت العمل أن يتقدم لفظ العامل على لفظ المعمول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015