إن الحديث عن مناهج العلماء والمفكرين في كتاباتهم وأقوالهم ليس من باب العبث الفكري، ولا من قبيل الثقافة الذهنية المجردة، بل هو حديث من الأهمية بمكان. وهو أمر يجب أن يتجه إليه الباحثون في مختلف الفنون؛ إذ أن ((الكشف عن هذه المناهج لدى مفكري الإسلام تعتبر في رأينا ـ بالإضافة إلى قيمته التاريخية ـ أفضل مدخل للتراث الإسلامي في جملته. فهو الذي يوضح الخطوات القياسية أو الاستقرائية التي اتبعها المفكرون والعلماء المسلمون في مختلف أوجه النشاط التي مارسوها)) (?).
وقد أقر علماؤنا ونصوا على أن هناك ((مناهج خفية)) سن لنا ((آباؤنا وأسلافنا طرقها)) (?)؛ يجب التنقيب عنها وتجليتها.
وقد يكون من أوجه القصور التي يمكن أن توجه لنا ـ نحن الباحثين ـ عدم الوقوف على مناهج العلماء والمفكرين. فها هو الشيخ محمود شاكر يحدثنا عن تجربته التي قاساها وعانى لايَها في سبيل تحديد منهج يتذوق به الكلام العربي، وكيف أنه قام بتطبيق هذا المنهج على كتابه ((المتنبي)) الذي كان مفاجأة مثيرة لجمهرة الأدباء والقارئين، وذلك لأنه ـ كما يقول ـ ((مكتوب على منهج وجدوه فريدا متميزًا، مباينا مدبه كل المباينة لجميع المناهج الأدبية المختلفة المألوفة)) (?).
ثم نجده يُنْحي باللوم، ويشد بالنكير على هؤلاء الذين لم يجدوا من وقتهم ((ساعات للتأمل والأناة والصبر، للبحث عن هذا المنهج الغريب غير المألوف الذي وجدوه