وذهب قوم منهم الإمام البخاري كما صرح به في صحيحه أن السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه سواء في القوة والصحة، ثم يلي سمعت وحدثنا وأخبرنا أنبأني، والإنباء بمعنى الإخبار من حيث اللغة كما في قوله تعالى: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [(14) سورة فاطر] كما أن التحديث مثل الإخبار لغة كما في قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] هذا من حيث الأصل وإلا فالاصطلاح قد خص سمعت وحدثنا بما تحمل بطريق السماع، والإخبار بما تحمل بطريق العرض، وأنبأنا بما تحمل بالإجازة، واستعمل بعضهم (عن) في الإجازة، كما قال الحافظ العراقي:
وكثر استعمال (عن) في ذا الزّمن ... إجازةً وهي بوصلٍ ما قمن
يقول الحافظ بعد ذلك -رحمه الله تعالى-: "وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من المدلس"، عنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس، "وقيل: يشترط ثبوت لقائهما ولو مرة على المختار"، العنعنة هي رواية الحديث بصيغة (عن)، رواية الحديث بصيغة (عن) فيقول الراوي: عن فلان أنه قال، وهي محمولة على الاتصال بشرطين:
الأول: براءة الراوي المعنعن من التدليس، هذا أمر لا بد منه، لا سيما إذا كان الراوي المدلس من الطبقة الثالثة فما دون لا بد أن يصرح بالسماع.
الثاني: ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة على المختار، على ما قرره الحافظ ابن حجر تبعاً لعلي بن المديني والبخاري وغيرهما من النقاد، واكتفى الإمام مسلم بالمعاصرة مع إمكان اللقاء، ونقل الاتفاق على ذلك واشتد نكيره على من اشترط اللقاء في مقدمة صحيحه، نعم، هذه مسألة العنعنة واشتراط اللقاء وعدم اشتراطه، لمحنا سابقاً إلى شيء من هذه المسألة، وقلنا: إن البخاري استفاض عنه اشتراط ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة ومسلم يكتفي بالمعاصرة، ونقل عليه الإجماع واشتد نكيره على من يشترط اللقاء، وهذا معروف عن البخاري وعلي بن المديني وغيرهما.