واختلفوا في أول زمان يصح فيه سماع الصغير فحدد الجمهور في ذلك خمس سنين لأقله، حديث محمود بن الربيع أنه قال: "عقلت مجة من النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهي وأنا ابن خمس سنين"، فعقل المجة وهو ابن خمس سنين، وترجم عليه الإمام البخاري في صحيحه متى يصح سماع الصغير؟ قال ابن الصلاح: التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين، فيكتبون لابن خمس فصاعداً سمع، ولمن لم يبلغ خمساً حضر أو أحضر.
قال: والذي ينبغي في ذلك أن يعتبر في كل صغير على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعاً عن حال من لا يعقل فهماً للخطاب ورداً للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه، وإن كان دون خمس وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان بالخمس، بل ابن خمسين.
الحاصل أن مرد ذلك إلى التمييز، إلى التمييز فإن كان مميزاً يفهم الخطاب ويرد الجواب صح سماعه وإلا فلا، فالمعول عليه التمييز، إذا ميز الصبي لخمس أو قبل خمس صح سماعه، إن لم يميز إلا لست أو سبع كما هو الغالب، لا يصح سماعه إلا إذا ميز.
في مثل طلب العلم ولما كان الناس لهم اختيار متى يبدءون يترك في ذلك إلى التمييز؛ لئلا يبدأ به قبل التمييز فيتأذى ويؤذي، وأما بالنسبة للتشريع العام كالأمر بالصلاة فجُعل للسبع؛ لأن غالب الصبيان يميزون لسبع، يندر من يتأخر عن السبع، لكن لما كان أمر الناس ليس بأيديهم، نعم، جعل الحد الفاصل لقبول الطالب الست، من غير نظر إلى تمييز وإلى غيره، فابن ست سنين يقبل في المدارس، وتجد أن ابن ست سنين أحياناً مستواه فوق مستوى زملائه؛ لأنه ميز قبل ذلك، وتجد أحياناً مستواه منحط عن زملائه ولا يفهم ما يقال؛ لأنه لم يميز بعد، فالتعليم لما كان اختياري متى ما أراد الإنسان أن يتعلم تعلم، متى ما أراد أبوه ورأى عليه علامات النجابة في أوقات مبكرة، ألحقه بحلق العلم، لكن الآن الست، نعم الناس بحاجة إلى ضابط، لكن لو جعلت السبع التي جعلها الشرع قدراً مشتركاً لعموم الصبيان لكان أولى، نعم قد يميز الطالب قبل ذلك فيتأخر في دراسته إذا وجدت عليه علامات النجابة والبلوغ ما المانع أن يدرس تدريساً خاصاً به؟ والله المستعان، نعم.
طالب:. . . . . . . . .