من أمثلة هذا الباب -مختلف الحديث- حديث: ((لا يؤمنّ عبد قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم)) جاء التهديد لمن خص نفسه بالدعوة وهو إمام دون من خلفه، هذا الحديث رواه أبو داود عن أبي هريرة، والترمذي عن ثوبان، وحسنه، مع قوله -عليه الصلاة والسلام- الثابت في الصحيحين وغيرهما في دعاء الاستفتاح: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما قال: "اللهم باعد بيننا وبين خطايانا"، فخص نفسه بالدعوة دون المأمومين، ابن خزيمة -وهو إمام في هذا الشأن- ماذا قال؟ ما بان له وجه التوفيق بين الحديثين، ولا استطاع أن يجمع ويؤلف بين الحديثين فحكم على الحديث الأول بأنه موضوع؛ لأنه معارض بالحديث الصحيح، مع أنه إذا أمكن الجمع تعين المصير إليه، وابن خزيمة وهو إمام الأئمة وإمام في هذا الشأن، وقيل عنه ما قيل في هذا الباب على وجه الخصوص عجز؛ لأنه لا يمكن أن يوجد شخص يحيط بالعلم كله، لا بد أن يحصل للإنسان ما يعرفه بقدر نفسه، ولا بد أن يحصل له شيء يجعل الأتباع يعرفون قدره على حقيقته، ولولا وجود مثل هذه الهنات لهؤلاء الأفذاذ لصار هذا سبباً في الغلو بهم، ابن خزيمة حكم على الحديث الأول بأنه موضوع لأنه معارض، لماذا؟ لأنه ما لاح له وجه للتوفيق بينهما، إذاً كيف نوفق بين الحديثين؟ شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن الممنوع من ذلك الدعاء الذي يؤمن عليه كدعاء القنوت، أما ما لا يؤمن عليه فلا يدخل في المنع، يعني الدعاء بين السجدتين، الدعاء في الاستفتاح المأموم يقول: آمين؟ نعم؟ إذا قال: بين السجدتين: "رب اغفر لي وارحمني وعافني .. " إلى آخره، المأموم يقول: آمين؟ لا، إذا قال: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي" يقول المأموم: آمين؟، لكن إذا قال: "اللهم اهدنا فيمن هديت" قال المأموم: "آمين" فالدعاء الذي يؤمن عليه لا يجوز تخصيص نفسه بالدعاء، لا بد أن يشرك المأمومين، تتصور إمام يؤم الناس يقول: اللهم اهدني فيمن هديت والناس يقولون: آمين؟! ممكن هذا؟! يدعو لنفسه دونهم، قد يوجد في المأمومين من يقول: الله لا يهديك، قد يوجد، يخص نفسه بالدعاء دونهم!