وَالشَّيْءُ يَدَّعِيهِ شَخْصَانِ مَعَا ... وَلَا يَدٌ وَلَا شَهِيدٌ يُدَّعَى

يُقْسَمُ مَا بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْقَسَمْ ... وَذَاكَ حُكْمٌ فِي السَّوَاءِ مُلْتَزَمْ

فِي بَيِّنَاتٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ يَدِ ... وَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي يَدٍ مُنْفَرِدِ

وَهُوَ لِمَنْ أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَهْ ... وَحَالَةُ الْأَعْدَلِ مِنْهَا بَيِّنَهْ

يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ إذَا ادَّعَاهُ شَخْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ أَصْلًا، أَوْ عَرَضًا، أَوْ حَيَوَانًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَتَرَجَّحُ بِهِ دَعْوَاهُ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ، لَا بِيَدٍ أَيْ: حَوْزٍ وَلَا بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ جَمِيعَهُ لَهُ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ حَلِفِهِمَا، هَذِهِ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَالشَّيْءُ يَدَّعِيهِ شَخْصَانِ مَعَا

إلَى قَوْلِهِ " بَعْدَ الْقَسَمِ " إلَّا أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يُقْسَمُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ يُخْشَى فَسَادُهُ كَالْحَيَوَانِ، وَالرَّقِيقِ، وَالطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَى بِهِ فَإِنْ يَأْتِيَا بِشَيْءٍ، وَخِيفَ عَلَيْهِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُخْشَى عَلَيْهِ الْفَسَادُ كَالدُّورِ.

(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : يُتْرَكُ حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِأَعْدَلَ مِمَّا أَتَى بِهِ صَاحِبُهُ، (ابْنُ الْقَاسِمِ) إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ، وَلَا يَأْتِيَا بِشَيْءٍ غَيْرَ مَا أَتَيَا بِهِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ وَوَقْفَهُ ضَرَرٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَأَمَّا إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَعْضَهُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ جَمِيعِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لَيْسَ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا بَلْ كَانَ بِيَدِ شَخْصٍ آخَرَ لَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَصْلًا كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي عَفْوٍ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الدَّعْوَى اتِّفَاقًا. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا ادَّعَى جَمِيعَهُ، وَالْآخَرُ بَعْضَهُ كَالنِّصْفِ فَقِيلَ: يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الدَّعْوَى أَيْضًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهِ فِي الْحِيَازَةِ، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا.

وَإِذَا قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ عَلَى الدَّعْوَى إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فَفِي كَيْفِيَّتِهِمَا قَوْلَانِ: (التَّوْضِيحُ) فَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ: يُسْلَكُ فِيهَا مَسْلَكُ عَوْلِ الْفَرَائِضِ؛ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمُتَدَاعَى فِيهِ، وَلِتَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ وَصَارَا كَوَرَثَةٍ زَادَتْ الْإِسْهَامُ الْوَاجِبَةُ لَهُمْ عَلَى الْجَمِيعِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَبْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّنَازُعِ فَمَنْ أَسْلَمَ شَيْئًا لِخَصْمِهِ سَقَطَ حَقُّهُ فِيهِ، فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الدَّارَ كَامِلَةً، وَادَّعَى الْآخَرُ نِصْفَهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعَالُ الْمُدَّعِي النِّصْفَ بِمِثْلِ نِصْفِ اثْنَيْنِ فَيُقْسَمُ الْمُدَّعَى فِيهِ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِمُدَّعِي الْكُلِّ الثُّلُثَانِ، وَعَلَى الثَّانِي: يَخْتَصُّ مُدَّعِي الْكُلِّ بِالنِّصْفِ، ثُمَّ يُقْسَمُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا. اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ، وَقَدْ أَطَالَ فِيهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحُ، فَعَلَيْك أَيَّهُمَا إنْ شِئْت وَذَاكَ حُكْمُ الْإِشَارَةِ لِقِسْمَةِ الْمُدَّعَى فِيهِ أَيْ: قِسْمَتُهُ حُكْمٌ مُلْتَزَمٌ فِي تَسَاوِي الْخَصْمَيْنِ، إمَّا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ كَأَنْ يُقِيمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً مُسَاوِيَةً لِبَيِّنَةِ الْآخَرِ، وَإِمَّا فِي النُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ إذَا نَكَلَا مَعًا، وَإِمَّا فِي الْحَوْزِ بِحَيْثُ يَكُونُ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا مَعًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: "

وَذَاكَ حُكْمٌ فِي السَّوَاءِ مُلْتَزَمْ ... فِي بَيِّنَاتٍ أَوْ نُكُولِ أَوْ يَدِ

فَالْمُرَادُ بِالْيَدِ الْحَوْزُ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ تَحْتَ يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِزِيَادَتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْحِيَازَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

وَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي يَدٍ مُنْفَرِدِ

وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْفَرْعُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ، فِي قَوْلِهِ: " وَالْيَدُ مَعَ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى " فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ غَيْرُ الْحَائِزِ بِتَعَارُضِ دَلِيلِ الْحِيَازَةِ مَعَ الْبَيِّنَةِ بِالْمِلْكِ فَالْبَيِّنَةُ أَعْمَلُ مِنْ دَلِيلِ الْحِيَازَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

وَهُوَ لِمَنْ أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَهْ

أَيْ لَا لِلْحَائِزِ الَّذِي لَا بَيِّنَةَ لَهُ فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْحِيَازَةِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

وَحَالَةُ الْأَعْدَلِ مِنْهَا بَيِّنَهْ

فَإِنْ تَكَافَأَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَدَالَةِ قُضِيَ بِالشَّيْءِ لِحَائِزِهِ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَا يَدَ " إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ مَعَ الْيَدِ لَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَكُونُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015