وقلنا: إن من الخطأ الجهل، كالذي يصلي إلى غير القبلة جاهلاً، والجهل عذر ولكن مع عدم التفريط.
أما من كان مفرطاً فإنه لا يعذر بالجهل، وذلك إذا كانت أسباب العلم متيسرة، ثم إنه فعل شيئاً جهلاً وقال: إني لا أعرف الحكم ففعلت كذا، فنقول: إنك لا تعذر لتفريطك.
فمن كان مثله يجهل فإنه يعذر، ومن كان مثله لا يجهل فإنه لا يعذر.
مثال من كان مثله يجهل: رجل قد نشأ في بادية أو كان حديث عهد بإسلام فوقع في مسألة جهلاً فنقول: يعذر، لأن مثله يعذر، أعني أن الناشئ في البادية أو حديث العهد بالإسلام يقع منه الجهل فيعذر.
لكن لو أن رجلاً في مدائن الإسلام وقال: أنا لم أدر أن صلاة المغرب ثلاث ركعات، وقد صليت ركعتين، فنقول: لا تعذر.
أو قال: أنا لم أعلم أن الجماع في نهار رمضان مفطر، فنقول: لا تعذر؛ لأن مثلك لا يجهل مثل هذه المسائل.
لكن هناك مسائل قد يجهلها حتى من يعيش في المدن، كحق الفسخ عند وجود عيب في المرأة، كمن تزوج امرأة فدخل بها فوجد فيها عيباً لم يخبر به، وهو ليس ممن يحضر دروس العلم ولا يجالس الفقهاء، فمثله قد يجهل أن له حق الفسخ، فيطأ هذه المرأة لظنه أنه لا حق له في الفسخ.
فنقول: لك الفسخ وإن جامعتها لأنك تجهل؛ لكن لها الضمان في بضعها.
إذاً من كان في مدائن الإسلام فلا يعذر بالجهل إلا في المسائل الخفية.
تجد أن كثيراً من الناس يخفى عليهم أن إخراج القيء عمداً يفطر الصائم، فيقع هذا من كثير من الشباب ولا يدري؛ لكنه يعلم أن الأكل والشرب والجماع من المفطرات، فهذا لا نقول إنه قد أفطر إذا استقاء عمداً إلا بعد أن يعلم ويعرف، لأن مثل هذه المسائل يجهلها أمثاله.
وعلى ذلك فنقول: إن كان مثله يجهل فإنه يعذر، وإن كان مثله لا يجهل فإنه لا يعذر.
بعض الناس يأتون من بعض البلاد التي كانت تحت الحكم الشيوعي فيحجون بيت الله وقد يجامع أحدهم امرأته ليلة عرفة أو يوم عرفة قبل أن يتحلل التحلل الأول، ويقول: أنا لا أعرف أن الحج يفسد بذلك، بل لم أعرف أنه من محذورات الإحرام.
فنقول: هذا حجه لا يفسد ولا حرج عليه؛ لأن مثله يجهل.
لكن من كان في بلاد ينتشر فيها العلم فإنه لا يعذر بذلك، مثلما يوجد الآن في علامات المرور من إشارة وغيرها، لا يعذر في مخالفتها من يقود السيارة ويسكن المدن؛ لكن لو أتى رجل من بادية فإنهم قد يعذرونه في بعض الأخطاء.