قال المصنف رحمه الله: [وترجع الأحكام لليقين فلا يزيل الشك لليقين] هذه أيضاً قاعدة من القواعد الفقهية الكبرى، وهي: اليقين لا يزول بالشك: ومرادهم بهذه القاعدة أن الشيء المتيقن والشيء يغلب على الظن وجوده لا يزول بالشك.
فاليقين عند الفقهاء يدخل فيه الشيء المتيقن المجزوم به، ويدخل في ذلك أيضاً غالب الظن، فإذا كان عندك تردد بين أمرين لا تدري أيهما الصواب، فنقول: ارجع إلى اليقين أو غلبة الظن.
ويدل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد: (أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً).
فإذا كنت متيقناً أنك على وضوء وعندك شك هل حصل ناقض لهذا الوضوء أم لا، فأنت -مثلاً- متيقن أنك توضأت لصلاة المغرب، فلما حضرت صلاة العشاء صرت لا تدري هل انتقض الوضوء أم لا؟ فنقول: المتيقن هو الوضوء والناقض مشكوك فيه، وعلى ذلك فنأخذ بالمتيقن وهو الوضوء فنقول: أنت على وضوء، واليقين لا يزول بالشك.
وإذا كان الأمر بالعكس، كأن تيقنت الناقض وشككت في الوضوء بعده؛ فمثلاً تقول: إنك قد قضيت حاجتك بعد صلاة المغرب وتقول: أنا لا أدري هل توضأت بعد أن قضيت حاجتي أم لا؟ فنقول: هنا المتيقن هو الحدث والوضوء مشكوك فيه، وعلى ذلك فخذ بالمتيقن وهو عدم الوضوء، فاليقين لا يزول بالشك.
إذا كنت لا تدري في صلاتك هل صليت ثلاثاً أم أربعاً، فالمتيقن هو الأقل، فتصلي رابعة وتسجد للسهو قبل السلام.
وإذا كنت في الطواف فحصل عندك شك هل طفت ستاً أم سبعاً، فنقول: الأقل هو المتيقن، فأنت في حكم من طاف ستة أشواط وعليك أن تطوف الشوط السابع.
كذلك إذا شك هل طلق امرأته أم لا؟ فنقول: الأصل بقاء النكاح لأنه المتيقن.
وإذا شك كذلك هل طلق امرأته طلقة أو طلقتين فنقول: المتيقن هو طلاق مرة، وأما القدر الزائد فهو مشكوك فيه.
وهكذا، فاليقين لا يزول بالشك.