قال المصنف رحمه الله: [والشرع من أصوله التيسير في كل أمر نابه تعسير] إذا تعارضت عندنا مصلحة ومفسدة فإنا نقدم أعظمهما، فقد نقدم الوقوع بالمفسدة وتحصيل المصلحة، وقد نقدم درء المفسدة وتفويت المصلحة.
فننظر إلى هذه المصلحة: فإن كانت المصلحة هي الغالبة فإنا نحصلها وإن وقعنا بالمفسدة.
وإن كانت المفسدة هي الغالبة، فإنا ندرأ المفسدة وإن فاتت المصلحة، أوضح هذا بالمثال: الربا فيه مصلحة للغني من زيادة ماله، وفيه كذلك دفع حاجة الفقير، لكن المفاسد فيه من الظلم أعظم من المصالح، ولذا حرمه الله جل وعلا وأحل البيع الذي فيه غنية عنه.
وكذلك الخمر فيه منافع؛ ولكن مفسدة زوال العقل فيه أشد وأعظم، ولذا نهى الله عنه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219].
هنا الآن قدمنا درء المفسدة وحصل تفويت للمصلحة، فالمصلحة التي في الربا فوتناها والمصلحة التي في الخمر فوتناها، درأً للمفسدة فيهما.
وأما إذا كانت المصلحة أعظم فإنا نقدمها فنحصلها وإن وقعنا في المفسدة.
مثال ذلك: الجهاد في سبيل الله فيه مفاسد، منها أنه يعرض النفوس للإزهاق، ومنها أنه يعرض مال المسلم للسلب، ويعرض النساء للسبي، لكن هذه المفاسد مرجوحة لما فيه من المصلحة العظمى، وهي إعلاء كلمة لا إله إلا الله.
إذاً: هنا أخذنا بالمصلحة مع وجود مفاسد، وقد ندرأ المفسدة مع وجود مصالح.
إذاً: ننظر إلى الأرجح والأعظم فنأخذ به، فإذا كانت المصالح أعظم فإنا نرجحها، وإذا كانت المفاسد أعظم فإنا ندرؤها.