واعلم أن المصالح على ثلاثة أنواع: النوع الأول: مصلحة حفظ الضرورات، والضرورات إذا اختلت ترتب على الناس خلل في أمر دينهم ودنياهم، حتى لا يصلح أمر الدين ولا أمر الدنيا إلا باعتبار هذه الضرورات، فإذا لم تراع اختل نظام الناس في حياتهم وترتب على ذلك فساد أمر دينهم ودنياهم.
فهذه هي مصلحة الضرورات، والضرورات خمس: الأولى: مصلحة حفظ الدين.
والثانية: مصلحة حفظ النفس.
والثالثة: مصلحة حفظ العقل.
والرابعة: مصلحة حفظ المال.
والخامسة: مصلحة حفظ العرض والنسل.
أولى هذه الضرورات ضرورة حفظ الدين: وقد شرع الله الشرائع، وبين للخلق العقائد، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ لحفظ الدين.
وشرع الله جل وعلا الجهاد وكذلك قتل الزنديق، وتعزير الداعية إلى البدعة بالقتل أو ما هو دونه؛ كل ذلك من أجل حفظ ضرورة الدين.
إذاً: فالجهاد قد شرع مع ما فيه من سفك للدم، ومن تعرض لسلب المال وسبي النساء وغير ذلك؛ كل ذلك لأجل حفظ هذه الضرورة، وهي ضرورة حفظ الدين.
الثانية: ضرورة حفظ النفس: فشرع الله القصاص لحفظ النفوس أن يعتدى عليها، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالقصاص في الأطراف وفي الجراح، فهذا كله لأجل ضرورة حفظ النفس.
والثالثة: ضرورة حفظ المال: وقد شرع الله جل وعلا حد السرقة، وحرم الاعتداء على الأموال، وجعل أموال المسلمين حراماً، فلا يحل لمسلم أن يأخذ مال أخيه بغير حق، هذا من أجل هذه الضرورة، وهي ضرورة حفظ المال.
وأما الضرورة الرابعة: فهي ضرورة حفظ العرض والنسل: فحرم الله الزنا، وشرع حده من رجم أو جلد، وكذلك حرم القذف، وحرم الاعتداء على الأعراض بكل شكل؛ هذا كله من أجل حفظ ضرورة العرض والنسل.
وأما الضرورة الخامسة: فهي ضرورة حفظ العقل: فحرم الله شرب الخمر، وشرع حده من أجل حفظ هذه الضرورة.
إذاً هذه هي الضرورات الخمس التي إذا لم تراعى ترتب على ذلك فساد وخلل في أمر الدين والدنيا، وهذه هي أعلى المصالح.