وتعلم التفسير بالمعنى الخاص واجب لقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 29]. ووجه الاستدلال على الوجوب واضح ولذلك قال في الآية الأخرى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. ذمهم على ترك التدبر ولا ذم إلا على ترك واجب فدل على أن التدبر واجب، ولا تدبر إلا ببيان معاني كلام الرب جل وعلا حينئذ دل على أن التفسير واجب، ولذلك جاء في قول عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشرة آيات لم يجاوزها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا. هذا التفسير بماذا؟ بمعناه الخاص ما يتجاوزوا العشر آيات إلا وتعلموا منها ما فيها من العلم والعمل (ونَحْوِهِ) عرفنا المراد بنحوه لأنه يشمل كل ما يدخل تحت علوم القرآن (ونَحْوِهِ) هذا مجمل أراد تفسيره وبيان ما الذي يَبْحث عنه أو يُبْحث فيه في علوم القرآن ذكر لك بعض من هذه الأنواع فقال:
بالخَمْسِ والخَمْسِينا ... قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا
هذا تفسير لأي شيء؟ لقوله: (ونَحْوِهِ). (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ ونَحْوِهِ) جهة الإنزال يعني النزول هذا نوع واحد فقط من أنواع علوم القرآن ولا يمكن أن يستوفى جميع أنواع علوم القرآن الخمس والخمسين في حد واحد يقال: حده كذا ثم تذكر الجميع نقول: لا (مِنْ جِهَةِ الإِنْزَالِ ونَحْوِهِ). ثم تعد هذه الأنواع فيقال: هي خمسة وخمسون. لكن هل هي محصورة في الخمسة والخمسين؟
الجواب: لا، لماذا؟
لأن علوم القرآن هذه اجتهادية ليس توقيفية متعلقها توقيفي وقد يكون بعضه اجتهادي لكن من جهة العدّ وإدماج بعضها مع بعض وتصنيفها وترتيبها هذه مسألة اجتهادية جعلية حصر الجعل يرجع إلى نفس المصنف، ولذلك السيوطي ذكر هنا في ((النقاية)) خمسة وخمسين نوعًا وذكر في ((التحبير)) مائة ونوعين وذكر في ((الإتقان)) ثمانين نوعًا، كم هذا خمسة وخمسين ثم ذكر في ((التحبير)) هذا إذا كان التحبير متقدم أو متأخر ذكر في ((التحبير)) مائة نوع ونوعين ثم زاد وأدمج فصار ثمانين لأنه أدمج بعضها مع بعض ولذلك بعضهم - كما سيأتي - قد يذكر ستة أنواع يجمعها شيء واحد ولذلك قال: في (سِتَّةٌ عُقُودُ) كما سيأتي أنه جعل لها عقودًا يعني: رؤوس هامة ليندرج تحتها أنواع فلو عدت العقود حينئذ صارت ستة أنواع ولكن ذكر أفرادها وكلها متداخلة يمكن أن تجعل في نوع واحد فجعلها ماذا؟ أنواع، فالنظر إلى الأصل العام هي ستة والنظر إلى الآحاد التي تكون تحتها جعلها خمسة وخمسين والمسألة اجتهادية ليست توقيفية من حيث العدّ.
(بالخَمْسِ والخَمْسِينا) هذا جار ومجرور متعلق بقوله: (حُصِرَتْ). وقد هذه بحرف تحقيق وحصرت بمعنى جمعت والحصر عبارة عن إيراد الشيء على عدد معين أو الحكم بعدم خروج الأقسام عن المقسم قد يراد هذا ويراد ذاك وهنا ثلاثة أنواع:
حصر عقلي.
وحصر استقرائي.
وحصر جعلي.