على فهم هذه العلوم التي عَنْوَنَ لها العلماء بعلوم القرآن، ولذلك ذكر مجاهد في قوله تعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً} [البقرة: 269]. قال: الفهم والإصابة في القرآن. {يُؤتِي الْحِكْمَةَ} أي: الفهم والإصابة في القرآن لماذا؟
لأن الأصل من تنزيل القرآن هو الفهم والإصابة؛ لأن ليس كل فهم يكون صوابًا إذًا لا بد من فهم ومن إصابة، الفهم قد يشترك فيه العالم وغيره لماذا؟
لأنه ما يتبادر إلى الذهن لكن إذا أريد به فهم الصحيح وهو إدراك معاني الكلام أو العلم بمعاني الكلام عند سماعه كما هو معنى الفهم في لغة العرب فحينئذ لا بد من تنزيل هذا الفهم على قواعد وأصول وضوابط لأن لا يكون الكتاب وكذلك السنة لا تكون مفتوحة هكذا لكل من أراد أن يفهم فليفهم ما شاء، لا، لا بد من ضابط يرجع إليه العالم سواء كان في فهم النصوص الوحيين في استنباط الأحكام الشرعية الحلال والحرام أو لفهم المعاني العامة معتقد وغيره لأن الكتاب كما هو معلوم مصدر التشريع للأمة الإسلامية لأن السنة والإجماع والقياس مرجعها إلى الكتاب فهو الأصل الأصيل، وكل أصل يُستنبط أو تُؤخذ من الشريعة يكون حينئذ منبثقًا عن الكتاب هو الأصل الأصيل وما عداه كله يكون متفرعًا عليه، فلذلك ذكر أيضًا مقاتل في الآية السابقة {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ} قال: علم القرآن. حينئذ الحكمة فُسِّرَتْ هنا في بعض الأقاويل بأنها الفهم والإصابة في القرآن وبأنها علم القرآن ولذلك قال ابن عيينة رحمه الله سفيان في قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146]. قال: أحرمه نعمة القرآن. لماذا؟
لأن الأصل من التنزيل هو الفهم والإصابة. قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: من أراد العلم فليسور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين. يعني: علم الأصول أو أصول الدين وأصول الحلال والحرام موجودة في القرآن وإنما تحتاج إلى تسوير بمعنى تفتيش وصح ونظر وتدبر وتأمل.
إذًا علمنا هذا نعلم ما السر في وضع هذه المنظومة في هذه الدورة وفي هذه الإجازة الصيفية لندرك بعض ما يتعلق بأسرار هذا العلم الشريف وهو على التفسير وما ينبني عليه ذلك العلم وهو علوم القرآن، وكان الاختيار واقعًا على منظومة التفسير التي سميت بـ: ((منظومة التفسير)). وقيل: بأنها ((منظومة الزمزمي)). نسبة إلى مؤلفها وكان الأشهر أنه ذكر في ترجمته أنه ألف منظومة في التفسير وذكر شارحها بأنها ((منظومة التفسير)).