وهذا ذكرناه فيما سبق أنكر قوم الاستعارة بناء على إنكارهم المجاز وقوم إطلاقها في القرآن لأن فيها إيهامًا للحاجة ولأنه لم يرد في ذلك إذن من الشارع، هذا خلاف الاستعارة. إذا عرفنا أركانها نقول: هي واقعة في كلام العرب وهي موجودة في القرآن ولا شك وبعضهم من القائلين بالمجاز من قد أنكر المجاز قاطبة قد أنكر وجود الاستعارة وبعضهم أثبت المجاز وحتى في القرآن أثبت المجاز في القرآن لكنه أنكر وجود الاستعارة في القرآن لماذا؟ قال: لأن فيها إيهامًا للحاجة. وهذا فاسد، ولأنه لم يرد في ذلك إذن من الشارع.

إذا أثبتَ المجاز ما ورد إذن أيضًا من الشارع، واختلفوا في الاستعارة هل هي مجاز لغوي أو عقلي على قولين، والأصح أنها مجاز لغوي لأنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ولا للأعم منهما، فأسدٌ في قولك: رأيت أسدًا يخطب. أسدٌ هذا موضوع لأي شيء في الأصل في السَّبُع الذي هو الحيوان المفترس لا للرجل الشجاع ما وُضع للرجل الشجاع أليس كذلك؟ ما وضع للرجل الشجاع، إذًا وضع الأسد في أي شيء في للمشبه به، رأيت أسدًا من المشبه هنا؟ رأيت أسدًا يخطب المشبه مَنْ؟ الخطيب والمشبه به الأسد السَّبُع واللفظ أسد وضع لمن للخطيب أم للحيوان؟ للحيوان لا شك وضع للحيوان فأسد في قولك: رأيت أسدًا يخطب. موضوع للسَّبُع لا للرجل الشجاع، ولا للأعم منهما لأن لفظًا يحتمل أن يكون أعم من الحيوان المفترس الذي هو السَّبُع والخطيب الجريء، فيقال: حيوان جريء. يختص بماذا عن هذا الحيوان الجريء؟ أعم من السَّبُع وأعم من الخطيب الشجاع فيصدق عليهما حقيقةً أو مجازًا أو على أحدهما حقيقة والثاني مجازًا؟ يصدق عليهما حقيقةً فإذا قلت: رأيت حيوانًا جريئًا يخطب. حينئذٍ هذا استعمال حقيقي أم مجازي؟ حقيقي وإذا قلت: رأيت حيوانًا جريئًا. فحينئذٍ يتعين أن يكون ماذا؟ مسماه مسماه السَّبُع المراد به السبع، إذًا الأسد نقول: موضوع للسَّبُع لا للرجل الشجاع ولا للأعم منهما كالحيوان الجريء ليكون إطلاقه عليهما حقيقةً كإطلاق الحيوان عليهما.

النوع السادس: الاستعارة

الاستعارة بحثتها طويل جدًا في باب البلاغة لكن ذكرنا أركانها وتعريفها وسيأتي مثالين للمصنف.

وَهِيَ تَشْبِيْهٌ بِلا أَدَاةِ ... وذَاكَ كالمَوْتِ وكالحَيَاةِ

فِيْ مُهْتَدٍ وضَدِّهِ كَمِثْلِ ... هَذَيْنِ مَا جَاءَ كَسَلْخِ اللَّيْلِ

(وَهِيَ تَشْبِيْهٌ) إذًا الاستعارة مبنية على التشبيه، (وَهِيَ) أي: الاستعارة (تَشْبِيْهٌ) والتشبيه هو: التمثيل. التشبيه في اللغة هو: التمثيل. والمراد به هنا تشبيه شيءٍ بشيء آخر تقول: زيد كالأسد. هذا ماذا نسميه؟ زيد كالأسد، هذا تشبيه لاستيفاء أركان التشبيه الأربعة:

المشبه وهو: زيد.

المشبه به وهو: الأسد.

أداة التشبيه وهي: الكاف.

والجامع وهو: الشجاعة.

إذًا الاستعارة تشبيه لشيء بشيء آخر (بِلا أَدَاةِ) يعني: بدون أداة. إذًا حصل عندنا تشبيه لكن بدون أداة، زيد أسد، هذا ماذا نسميه؟

اختلفوا فيه إذا نطقت ابتداءً زيد أسد فهو استعارة لأنك شبهة زيدًا بالأسد بدون أداة تشبيه.

وإذا قلت: زيد كالأسد. فهو تشبيه قولاً واحدًا.

وإذا قلت: زيدٌ أسدٌ. وحذفت أداة التشبيه ونويتها مقدرةً فهو تشبيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015