أما المشترك المعنوي فهو ما اتحد فيه الوضع والمعنى واللفظ. اتحد فيه اللفظ والمعنى والوضع، هذه ثلاثة أشياء كلها متحدة، لكنه من حيث معناه الواحد يشمل أفرادًا من حيث معناه الشخصي الواحد يشمل أفرادًا مع كون اللفظ واحدًا وهذا الذي يسمى بالكلي عند المناطقة، فمفهم اشتراك الكلي كأسد أليس كذلك؟ فمفهم اشتراك الكلي كأسد، ما هو الكلي؟ ما أفهم اشتراكًا، لفظٌ أفهم اشتراكًا في معناه كالإنسان هذا لفظ واحد أفهم اشتراكًا أولاً ما هو معنى الإنسان قالوا: حيوان ناطق. إذًا معنى واحد أو متعدد له معنى واحد وهو كونه حيوانًا ناطقًا هذه الحيوانية الناطقية تشمل أفرادًا كزيد، وبكر، وعمرو، وخالد ... إلى آخره وجود هذا المعنى الذهني الذي يكون في الذهن أو الحيوان الناطق وجوده في الخارج يكون في ضمن أفراده حينئذٍ يقول: زيدٌ حيوان ناطق، وعمرو حيوان ناطق، وبكرٌ حيوان ناطق. أليس كذلك؟ تأتي للفظ إنسان يصح أن تقول: زيدٌ إنسان. لماذا؟ لكونه حيوانًا ناطقًا، وبكرٌ إنسان، وعمرو إنسان قد أَخْبَرْتَ عن ثلاثة بلفظ واحد وهو لفظ إنسان، اللفظ متحد أو لا؟ لفظٌ متحد مثل القرء الطهر هو: القرء، والحيض هو: القرء. أخبرت عن الحيض بأنه قرءٌ وعن الطهر بأنه قرءٌ فاللفظ واحد زيدٌ إنسان، وعمرو إنسان، وبكرٌ إنسان اللفظ واحد والمعنى متحد، زيدٌ إنسان أخبرت عن زيد لكونه إنسانًا لماذا؟ لكونه حيوانًا ناطقًا وأخبرت عن بكر بكونه إنسانًا لماذا؟ لكون حيوانًا ناطقًا، وأخبرت عن عمرو بكونه إنسانًا لكونه حيوانًا ناطقًا، إذًا زيدٌ إنسان والمعنى هو الحيوانية الناطقة وبكرٌ إنسان والمعنى هو الذي أخبرتُ به أولاً حيوانيًّا ناطقيًّا وبكر كذلك، إذًا اتحد اللفظ واتحد المعنى، المعنى شيء واحد سواء أخبرت به عن زيد أو عن بكر أو عن عمرو أو عن خالد أو عن هند ... إلى آخره المعنى شيء واحد لذلك نقول: معنى الإنسان الحيوان الناطق ولا يتعدد، بخلاف معنى القرء الطهر والحيض وهو متعدد لأن الطهر مغاير للحيض بل هما نقيضان، لكن معنى الإنسان شيء واحد فإذا أخبرت به عن أفراده نقول: هنا الوضع واحد كذلك.
فإذا قلت: الطهر قرء، والحيض قرء. أخبرت عن الأول بكونه قرءًا وعن الثاني بكونه قرءًا اللفظ متحد والوضع متعدد. وأما زيد إنسان، وعمرو إنسان، وخالد إنسان اللفظ واحد والمعنى واحد والوضع واحد وليس متعددًا هذه يُسمَّى ماذا؟ يُسَمَّى اشْتِرَاكًا معنويًّا وهو الذي ذكرناه بتوسع في ((السُّلم)) فليرجع إليه.
فمفهم اشتراكٍ الكلي ... كأسدٍ وعكسُه الجزئي
إذًا ثَمَّ فرق بين النوعين الْمُشْتَرَك المراد به هنا الْمُشْتَرَك اللفظي.
اختلف أئمة اللغة وأئمة الدين في وقوع الْمُشْتَرَك في اللغة لأنه يلزم إذا وقع في اللغة حينئذٍ أن يكون موجودًا في القرآن، هذا دليل مطرد إذا وقع وقوعًا شائعًا ذائعًا في لغة العرب وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين فحينئذٍ يلزم من ذلك أن يكون في القرآن ما هو مُشْتَرَكٌ.
اختُلف في وقوع الْمُشْتَرَك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: جوازه ووقوعه مطلقًا. جوازه عقلاً حينئذٍ يجوز أن يضع الواضع لفظًا واحدًا لمعنيين فأكثر، الجواز المراد به الجواز العقلي لماذا؟