إذًا مصدر ميمي بمعنى الفاعل من جاز المكان إذا تَعَدَّاه، أو من الجواز وهو العبور والانتقال، لأنك أنت نقلت الكلمة من معناها الحقيقي إلى معناها المجازي، إذًا حصل عبور وحصل انتقال. المجاز ضده الحقيقة ويعرف المجاز بمعرفة ضده لأن الكلمة أو الوصف للتركيب إما أن يكون حقيقة وإما أن يكون مجازًا، الحقيقة هي اللفظ المستعمل في ما وضع له أولاً أو ابتداءً، والمجاز أو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له أولاً، فوضعت العرب لفظ الأسد للحيوان المفترس، فإذا أطلق اللفظ حينئذٍ نقول: استعمل فيما وضع له. رأيت أسدًا أي: حيوانًا مفترسًا. نُقل هذا اللفظ وعُبِرَ به عن ذلك المعنى الذي هو الحيوان المفترس إلى معنى الرجل الشجاع لكن لا بد من علاقة وقرينة فحينئذٍ قالوا: رأيت أسدًا يخطب. قالوا: أسد هذا ليس المراد به الحيوان المفترس، الحيوان المفترس لا يعلو الأوادم فيخطب وإنما هو الرجل الشجاع يخطب، هذا الدليل على أنهم استعملوا هذا اللفظ في غير ما وضع له لماذا؟ لأنه إذا أطلق على القرينة حينئذٍ نقول: حمل على أصله ولا يجوز أن يحمل على المعنى المجازي عند البيانيين بخلاف الأصوليين، الأصُوليون لا يشترطون علاقة والبيانيون يشترطون العلاقة، فحينئذٍ نقول: الحقيقة هي اللفظ المستعمل. إذًا قبل الاستعمال لا توصف بحقيقة أو لا مجاز، فيما وضع له أولاً يعني في المعنى الذي وضع له في لغة العرب ابتداءً، خرج به المجاز لأن المجاز يُستعمل اللفظ فيما وضع له لكن ثانيًا لا أولاً، لأن المجاز والحقيقة كلاهما موضوعان بالوضع العربي، اتفقوا على أن الحقائق موضوعة بالوضع العرب واختلفوا في المجاز، والصواب أن المجاز أيضًا موضوع بالوضع العربي لكنه نوعي لا آحاديّ، كالقواعد العامة عند الصرفيين وعند النحاة. إذًا عرفنا هذه الحقيقة، المجاز اللفظ المستعمل في غير - خرجت الحقيقة - اللفظ المستعمل - خرج غير المستعمل - فلا يوصف بكونه حقيقة ولا مجازًا في غير ما وضع له أولاً خرج به الحقيقة فإنها تستعمل فيما وضعت لها أولاً، هذا المختصر ما يقال في المجاز.

المجاز هذا فن شهير عند أرباب اللغة وقد أفرده بالتصنيف عز الدين بن عبد السلام ولخصه السيوطي ومعه زيادات سماه ((مجاز الفرسان في مجاز القرآن))

هل في اللغة مجاز أو لا؟

هل في القرآن مجاز أو لا؟

بحثان لأهل العلم في هذه المسألة، المجاز الجمهور على وقوعه في القرآن، حقائق لا خلاف فيها أنها في القرآن، وأما المجاز فالجمهور على وقوعه في القرآن جمهور أهل العلم على أن المجاز واقع في القرآن، وأنكره البعض منهم الظاهرية وابن القاسم من الشافعية، وابن خويز بن منداد من المالكية وعبر بعضهم في الرد عليه قالوا: شبهتهم - لم نقل: دليلهم، لأن إنكار المجاز هذا قولٌ عسيرٌ لا يمكن إنكاره - قالوا: شبهتهم أن المجاز أخو الكذب، والقرآن منزه عنه. هذا مثل ما يقال أن المجاز يصح نفيه وما يصح نفيه لا يجوز وقوعه في القرآن لأن النفي والكذب أخوان لماذا؟ لأنه إذا قيل رأيت مثلاً - لا نمثل بالقرآن - قيل: رأيت أسدًا يخطب. يصح أن يقول القائل: لا ليس بأسد. ليس بأسد صح أو لا؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015