إذًا فرق بين أن تسمع قرء فتعلم أنه للحيض والطهر ولكن لا تعرف المراد وبين أن تسمع تكأكأتم، ما تعرفها حتى ترجع إلى القاموس ولعلك تجده حينئذٍ نقول: هذه الكلمة وحشية غير مألوفة الاستعمال. هذا قلنا هناك: احترزنا به عن غريب القرآن وغريب الحديث لماذا؟
لكون غريب القرآن ولو كان يحتاج إلى بحث وتنقير إلا إن اللفظ مأنوس الاستعمال، استعماله كثير في لغة العرب لكن لو خَفِيَ على بعض لا يلزم من ذلك أن يكون قد خَفِيَ على الآخرين، لكن هذا اللفظ كـ كأكأتم مثلاً غير موجود غير مستعمل أصلاً غير مألوف الاستعمال فهو من شواذ الكلمات، هذا المعنى الذي هو الغرابة بهذا المعنى تكون الكلمة وحشية بمعنى غير ظاهرت المعنى الموضوع له في لغة العرب وأن لا تكون مأنوسة الاستعمال هذه منفية عن الكلمة الفصيحة سواء كانت في القرآن وفي غيره، ولكن المراد هنا بالغريب الذي هو الغريب بالمعنى الثاني وهو: ما لا مدخل للرأي فيه. وحينئذٍ إذا لم يكن للرأي والعقل والفكر مدخل فيه فلا بد من التنقير والبحث عنه في كتب اللغة.
إذًا فرق بين هذا النوع وبين النوع الأول، النوع الثاني الذي لا مدخل للرأي فيه لا يلزم منه ألا تكون الكلمة غير ظاهرة المعنى المراد ولا يلزم منه أن تكون الكلمة غير مأنوسة الاستعمال، لا، بل هي ظاهرة المعنى وأيضًا مأنوسة الاستعمال في كلام العرب ولكن مع ذلك يحتاج البعض ولا أقول الكل يحتاج البعض إلى التنقير عنها في كتب اللغة. إذًا ثم فرق بين النوعين.
إذًا نقول: ليس المراد بالغريب هنا الوحشي غير مأنوس الاستعمال لِتَنْزِيه القرآن عنه بسبب إسناده بالفصاحة وإنما المراد بالغريب ما لا مدخل للرأي فيه، بل نرجع معناه إلى النقل مثل قسورة {فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 51] قد يُشكل على البعض قسورة ما المراد بها؟ حينئذٍ يبحث في كتب اللغة فيجد أن {قَسْوَرَةٍ} هذه معناها الأسد، هل هي وحشية الاستعمال؟ الجواب: لا، هي معلومة في لغة العرب لكن الغرابة حينئذٍ تكون نسبية لا تكون كلية وأغلبية وإنما تكون نسبية، ولذلك بعضهم يقيد غريب القرآن وغريب الحديث نسبي بالنسبة إلى من بعد الصحابة، لكن هذا يُشكل عليه بأن بعض الصحابة قد أشكل عليه بعض غريب القرآن. حينئذٍ يكون العلم موجودًا في زمن الصحابة سواء كان غريب القرآن أو غريب الحديث ولكن بالنسبة إلى من بعدهم هو أكثر وبالنسبة إلى زمن الصحابة تكون الكلمة مأنوسة الاستعمال ولكن من سئل عنها فاحتاج إلى البحث والتنقير هذا في حقه تكون غريبة إذًا ثَمَّ فرق بين النوعين.
قال هنا:
(يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ لَدى الغَرِيْبِ). (يُرْجَعُ) مغير الصيغة، ولا بأس أن تقرأه بالبناء للفاعل يَرْجِعُ يعني: الْمفسر الخائض في فن التفسير يَرْجِعُ للنقل أو ... (يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ) لا بأس سواء جعلته مبنيًا للمعلوم أو مبنيًا للمجهول. (يُرْجَعُ لِلنَّقْلِ لَدى الغَرِيْبِ) يَرْجِعُ الخائض في فن التفسير في تفسير الغريب للنقل يعني: للكتب كتب أهل الفن المصنفة في ذلك الفن (لَدى الغَرِيْبِ) يعني: لدى اللفظ الغريب لدى البحث عن اللفظ الغريب لماذا؟