ابن الجزري رحمه الله تعالى اعترض على هذا التأصيل، وتبعه السيوطي في ((التحبير)) وفي ((الإتقان)) قال: لا، ليس النظر هنا إلى كون السبعة قراءتهم هي المتواترة والثلاثة هي الآحاد مع عداها فهو الشاذ قال: لا بل النظر يكون إلى ضابطٍ يُعتمد يكون به الفرق بين قراءة الصحيحة وقراءة الشاذة فكأنه قسم القراءة إلى صحيحة وشاذة، ثم الصحيح قد يكون متواترًا وقد يكون آحاد فقال: كل قراءةٍ وافقت ماذا؟ العربية ولو بوجهٍ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح سندها فهي قراءة صحيحة سواءٌ كانت من السبعة أو من العشرة أو ما عداها، فحينئذٍ قد يكون من الأربعة المزيدة عن العشرة ما هو صحيحٌ ثابتُ القراءة بخلاف ما هو قول الجمهور بأن كل ما زاد عن العشرة فهو شاذ ولو صح سندها ووافق الرسم العثماني والقواعد العربية، فما استجمع الثلاثة شروط الذي ذكرها ابن الجزري في ما زاد على العشرة فليست بقراءة بل هي شاذة، وهذا فرقٌ جوهري بين ابن الجزري وغيره فكل قراءةٍ وافقت العربية ولو بوجهٍ من وجه النحو يعني سواءٌ كان هذا الوجه لا يُشترط به أن يرتضيه النحاة فحسب ولا نرجع إلى النحاة فحسب، لا. نقول: سواء كانت فصيحًا أم أفصح متفقًا عليه أو مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله، فحينئذٍ نقول: هذه مع بقية الشروط قراءةٌ صحيحة وكذلك إذا وافقت الرسم العثماني ولو احتمالاً، والمراد بالرسم العثماني المصاحف الستة أو الثمان أو التسع، يعني كل مصحفٍ سواءٌ كان شاميًا أو مكيًا أو مدنيًا عامًا أو خاصًا إلى آخره أي مصحفٍ من هذه المصاحف لأنه ثمَّ فرق بينها من حيث إثبات بعض الحروف دون بعض، فأي قراءةٍ صح سندها ووافقت الرسم العثماني ولو احتمالاً نقول: هذه قراءةٌ صحيحة مع بقية الشروط، ولو احتمالاً أراد به في ما إذا ما كان الوجه محتملاً في التقدير لا في النص، ومثل له ابن الجزري وكذلك السيوطي بـ: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة: 6]. والصراط هذا من حيث اللغة الأصل فيه بالسين سراط بالسراط فحينئذٍ كتب بماذا بالصاد لماذا كتب بالصاد؟ ولذلك نص ابن الجزري قال: هذا الدليل على فقه الصحابة كتبوه بالصاد على خلاف الأصل وهو بالسين لماذا؟ لأنه لو كتب بالسين وقرأ بالصاد لأنكر (اهدنا السراط) ثم قرئ بالصاد لأنكر لماذا لأن الأصل في اللغة أنه بالسين ولكن القراءةُ سنةٌ متبعة فحينئذٍ كتب بالصاد بقراءة أخرى فلو قرأ بالصاد فلا ينكر لأنه موافقٌ للرسم العثماني ولو قرأ بالسين احتمل لكونه احتمالاً احتمل لماذا؟ رجوعًا إلى الأصل ولو قرئ بحرفٍ بين الصاد والسين حينئذٍ لا ينكر.
وصح سندها: هذا من الفروق الجوهرية بين اشتراط، صحة السند، والتواتر عند الجمهور حينئذٍ يصير مع هذه الثلاثة إن وجدت في قراءةٍ ما فهي صحيحة ويقرأ بها في الصلاة وفي خارجها، وتكون محلاً للاستنباط وغيره كل قراءةٍ اجتمعت فيها هذه الأركان الثلاثة حينئذٍ نقول: هذه قراءةٌ صحيحة، ولذلك أشار إليها في طيبة النشر بقول:
فَكُلُّ مَا وِافَقَ وَجْهَ نَحْوِ ... وَكَانَ لِلرَّسْمِ احْتِمَالاً يَحْوِي
وَصَحَّ ِإسْنَادًا هُوَ الْقُرْآنُ ... فَهَذِهِ الثَّلاثَةُ الأرْكَانُ