لما أورد عليه إذًا جابر يعلم أن ثَمَّ قولاً بأن (اقْرأْ) نزلت أولاً لأن أبا سلمة لما قال: أي القرآن أُنزل قبل؟ قال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}. قال له: أو ... {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}. إذًا عنده علم لو لم يذكر هذا قلنا: ذاك مقدم على هذا، مَنْ عَلِمَ أو حَفِظَ حجة على من لم يحفظ. لكن هنا ذُكر أن القول بأن (اقْرأْ) هي أول ما نزل قال: - الفصل - أحدثكم بما حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حينئذٍ بماذا نجيب؟ أجاب قائلون بأن (اقْرأْ) هي الأصح في النزول أولاً لحديث الصحيحين أيضًا - الله أكبر - عن أبي سلمة عن جابر سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث عن فترة الوحي. لأن الوحي بعد أن نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار حراء فتر قطع ثم نزل فأتى بالمدثر فكانت المدثر أول ما نزل بعد فترة الوحي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: «فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسيٌّ بين السماء والأرض فرجعت فقلت: زملوني زملُوني. فدثروني فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ}. قوله: «فإذا الملك الذي جاءني بحراء». في الحديث هذا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - «فإذا الملك الذي جاءني بحراء» يدل على ماذا؟ على أن المدثر مسبوقة بوحي وهي ما تضمنه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في بدء الوحي فقوله: «الملك الذي جاءني بحراء». دالٌّ على أن هذه القصة متأخرة عن قصة حراء التي نزل فيها {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ولذلك ترجح ماذا؟ أن أول ما نزل مطلقًا هو: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}. وقول جابر: أيُّ القرآن نزل قبل؟ نقول: هذا أولية نسبية إضافية، نجعلها أولية لا بأس لكنها نسبية إضافية بالنسبة إلى ماذا؟ إلى فتور الوحي يعني: انقطاع الوحي، أول ما نزل بعد انقطاع الوحي {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} نقول: هذا كلام صحيح لكن أول ما نزل مطلقًا {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} نقول: فيه نظر والصواب الأول.

أَوَّلُهُ التَّطْفِيفُ ثُمَّ البَقَرَةْ ... وقِيْلَ بالعَكْسِ بِدَارِ الهِجْرَةْ

أوله بدار الهجرة (التَّطْفِيفُ)، (أَوَّلُهُ) أي: أول القرآن نزولاً (بِدَارِ الهِجْرَةْ) المدينة النبوية متعلق بقوله: (أَوَّلُهُ). جار ومجرور متعلق بقوله: ... (أَوَّلُهُ). إذًا هذا حديث في ماذا؟ مقيد بأن أول ما نزل بالمدينة النبوية ما هو؟ قيل: المطففون {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} وقيل: سورة البقرة. وهنا إشكال لكن أريده منكم قوله: (أَوَّلُهُ التَّطْفِيفُ، ثُمَّ البَقَرَةْ). أريد الإشكال الذي في ذهني؟

نعم التطفيف هذه مكية أو مدنية؟

هل عدها أناس من المدني التسع والعشرين؟

لا لم يذكرها فدل على ماذا؟

على أنها مكية وليست مدنية فكيف يذكرها هنا هذا محل إشكال؟

(اقْرأْ عَلَى الأَصَحِّ، فالمُدَّثِّرُ أَوَّلُهُ) حينئذٍ جزم هناك بأن (اقْرأْ) هي الأصح، بأن أول ما نزل مطلقًا من القرآن (اقْرأْ)، ثم أول ما نزل بالمدينة المطففون ثم يذكر المطففين بأنها من المكي هذا تعارض؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015